للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعَادَتْ الْغُسْلَ لَا الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَا (بِشَهْوَةٍ) أَيْ لَذَّةٍ وَلَوْ حُكْمًا كَمُحْتَلِمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِيَشْمَلَ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْقَ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَيْهِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: ٦] الْآيَةَ، فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا كالقهستاني تَبَعًا لِأَخِي جَلَبِي غَيْرُ مُصِيبٍ تَأَمَّلْ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَلِذَا قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ (بِهَا) وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى فِي ضَيْفٍ خَافَ رِيبَةً أَوْ اسْتَحَى كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ والتتارخانية مَعْزِيًّا لِلنَّوَازِلِ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت

ــ

[رد المحتار]

يَقِينًا، فَلَوْ شَكَّتْ فِيهِ فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ اتِّفَاقًا لِلِاحْتِمَالِ وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلِهِمَا احْتِيَاطًا نُوحٌ أَفَنْدِي.

(قَوْلُهُ: لَا الصَّلَاةَ) كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى إذَا خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُبْتَغِي: بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، يَعْنِي أَنَّهَا تُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَفِي نَظَرٍ ظَاهِرٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِيدُ أَصْلًا أَيْ لَا الْغُسْلَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاءُ الرَّجُلِ اهـ. أَقُولُ: أَيْ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ مَاؤُهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنِيَّهَا بَلْ مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا تُعِيدُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ رَمْلِيٌّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُنْفَصِلٍ، اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ انْفَصَلَ بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَلَا غُسْلَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.

(قَوْلُهُ: كَمُحْتَلِمٍ) فَإِنَّهُ لَا لَذَّةَ لَهُ يَقِينًا لِفَقْدِ إدْرَاكِهِ ط فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَيْ إذَا رَأَى الْبَلَلَ وَلَمْ يُدْرِكْ اللَّذَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا ثُمَّ ذَهِلَ عَنْهَا فَجُعِلَتْ اللَّذَّةُ حَاصِلَةً حُكْمًا.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ) إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْكَنْزِ حَيْثُ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ فِي الْبَحْرِ زَيَّفَ كَلَامَهُ وَجَعَلَهُ مُتَنَاقِضًا، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الدَّفْقِ هُوَ سُرْعَةُ الصَّبِّ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ لَا مِنْ مَقَرِّهِ. وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَافِقًا مِنْ مَقَرِّهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ إنَّ الْمَاءَ يَكُونُ دَافِقًا أَيْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفُقُ بَعْضًا، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ نَفْسُهُ: إنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ ظَاهِرٍ) أَيْ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَخْ) أَيْ إسْنَادُ الدَّفْقِ إلَى مَنِيِّ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَيْ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَنِيِّ الرَّجُلِ.

(قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ) أَيْ تَغْلِيبَ مَاءِ الرَّجُلِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ.

(قَوْلُهُ: فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا) أَيْ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ فِي مَنِيِّهَا دَفْقًا أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: تَأَمَّلْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى إمْكَانِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّفْقِ مِنْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِ دَفْقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّجُلِ، أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيَشْمَلَ، وَالضَّمِيرُ لِلدَّفْقِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الدَّفْقِ لَيْسَ شَرْطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا: أَيْ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْخُرُوجِ بِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّفْقِ إذْ لَا يُوجَدُ الدَّفْقُ بِدُونِهَا.

(قَوْلُهُ: وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ شَرَطَ الدَّفْقَ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَأَنْزَلَ وَجَبَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ نَهْرٌ أَيْ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ وَالْبَوْلَ وَالْمَشْيَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الزَّائِلِ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الثَّانِي زَائِلًا عَنْ مَكَانِهِ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا زَيْلَعِيٌّ، وَأَطْلَقَ الْمَشْيَ كَثِيرٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِالْكَثِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ذَلِكَ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي خَاطِرِي أَنَّهُ عُيِّنَ لَهُ أَرْبَعُونَ خُطْوَةً فَلْيُنْظَرْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: خَافَ رِيبَةً) أَيْ تُهْمَةً.

(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ) أَيْ فِي الضَّيْفِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ وَخَلَفَ بْنَ أَيُّوبَ أَخَذَا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ إسْمَاعِيلَ.

(قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْمَيْلُ إلَى اخْتِيَارِ مَا فِي النَّوَازِلِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ حَتَّى الْبَحْرُ وَالنَّهْرُ، وَلَا سِيَّمَا قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ قِيَاسٌ وَقَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>