للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَعْنَ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِنُزُولِ الْآيَةِ فِي الْمَوْطُوءَةِ بَاطِلٌ مَحْضٌ مُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَحَمَلَهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ عَلَى كَوْنِهَا مُتَفَرِّقَةً فَلَا يَقَعُ إلَّا الْأُولَى فَقَطْ.

ــ

[رد المحتار]

إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْأَصْلِ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْقَذْفُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فَافْهَمْ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى النَّوَادِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا كَانَ قَذْفًا فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ الْمُتَخَلِّلَ لَا يَفْصِلُ فَلَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بَلْ يَقَعُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ اللَّعَّانُ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةُ بَدَاءٌ لِلْإِعْلَامِ بِمَا يُرَادُ بِهِ فَلَا يَفْصِلُ. وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ الْقَذْفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْطِ اهـ مُلَخَّصًا، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ انْصِرَافَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ هُوَ الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَقَعْنَ) جَوَابُ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ عَقِبَ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ: أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَتَصِيرُ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ مُتَوَقِّفًا حُكْمًا عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَيْهِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لِبَيْنُونَتِهَا بِطَالِقٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ الْعَدَدُ شَيْئًا.

وَنَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَأَثِمَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ سَوَاءٌ، بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ إلَخْ) عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ كِتَابِ الْمُشْكِلَاتِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُشْكِلَاتِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْغَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ثَلَاثًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِلَا تَحْلِيلٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] فَفِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا. اهـ.

وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ عَدَمَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ أَوْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ، لَكِنَّ كَلَامَ الدُّرَرِ يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ، أَوْ يُرِيدُ وُقُوعَ الثَّلَاثَةِ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُحَلِّلِ

وَقَدْ بَالَغَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ هَمَّامٍ فِي رَدِّهِ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْ اشْتِرَاطِ الْمُحَلِّلِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا لِصَرِيحِ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَحِلُّ بِلَا زَوْجٍ، وَهُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ رَآهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْتَبِرَهُ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إشَاعَتَهُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَتِحُ بَابُ الشَّيْطَانِ فِي تَخْفِيفِ الْأَمْرِ فِيهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) أَيْ لَفْظِ النَّصِّ فَإِنَّهُ يَعُمُّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُكِرَ فِيهَا مُفَرَّقًا وَتَفْرِيقُهُ يَخُصُّهَا وَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِنَادُ إلَى السُّنَّةِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ ط.

(قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ) حَيْثُ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>