فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا بَدَائِعُ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ بِقَبُولِهَا وَقَبُولِ أَبِيهَا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَفِي قَوْلِهَا فِي جَوَابِهِ (طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا.
(وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي) قَوْلِهِ (أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) لِأَنَّهُمَا تَمْلِيكَانِ (فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ)
ــ
[رد المحتار]
نَفْسِهَا وَهُوَ لَوْ أَسْنَدَهَا إلَى نَفْسِهَا يَقَعُ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَنَا طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي أَسْنَدَتْ الطَّلَاقَ إلَى نَفْسِهَا فَيَصِحُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا يَقَعُ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلَّقْتُكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهَا أَنْتَ مِنِّي طَالِقٌ لِأَنَّهَا أَسْنَدَتْ الطَّلَاقَ إلَيْهِ، وَهُوَ لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ؛ فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ لَمْ يَصْلُحْ لِلْجَوَابِ مِنْهَا فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الضَّابِطِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ مَنْقُوضٌ بِهَذَا الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك يَقَعُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَغْيِيرُ الضَّمَائِرِ وَالْهَيْئَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا صَلَحَ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ: مَا يَصْلُحُ لَهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ الطَّلَاقَ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ إذَا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا بِهِ، فَإِذَا أَوْقَعَتْ مِثْلَهُ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَمَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ، فَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي فَقَالَ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ تَطْلُقُ، فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَمَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ، فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَمَا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِأَنْ قَالَتْ أَلْحَقْتُ نَفْسِي بِأَهْلِي لَا تَطْلُقُ أَيْضًا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الرَّدَّ فَتُوقَفُ عَلَى النِّيَّةِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ حَرَامٍ وَبَائِنٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ فِي حَالِ الْمُذَاكَرَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ اسْتِشْكَالِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَلْحَقْتُ نَفْسِي وَأَنَا بَائِنٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ الْإِيقَاعَ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ كِنَايَةُ تَفْوِيضٍ لَا إيقَاعٍ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ: أَمْرُكِ بِيَدِك، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا، بِأَنْ تَقُولَ أَمْرِي بِيَدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ صِحَّتُهُ أَيْ صِحَّةُ الْجَوَابِ مِنْهَا بِقَوْلِهَا قَبِلْتُ أَوْ قَوْلِ أَبِيهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ، وَهَذَا الْإِيرَادُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْتُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَانَتْ، يَعْنِي وَإِنْ أَجَابَتْ بِالصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الرَّجْعِيُّ، لَكِنْ يَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ، وَتَفْوِيضُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِهِ تَمْلِكُ أَمْرَهَا لَا بِالرَّجْعِيِّ.
وَأَمَّا عِلَّةُ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ دُونَ الثَّلَاثِ فَهِيَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فِي كَلَامِهَا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ هُوَ طَلْقَةٌ إذْ خُصُوصُ الْعَامِلِ اللَّفْظِيِّ قَرِينَةُ خُصُوصِ الْمُقَدَّرِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ طَلَّقْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَاخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ، وَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ يَنْبَغِي وُقُوعُ الْوَحْدَةِ فِي الثَّانِي أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) أَرَادَ بِاللَّيْلِ الْجِنْسَ فَيَشْمَلُ اللَّيْلَتَيْنِ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْيَوْمُ الْفَاصِلُ وَسَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ ح. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلَانِ وَغَدٌ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكَانِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ عَطْفَ زَمَنٍ عَلَى زَمَنٍ مُمَاثِلٍ مَفْصُولٍ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ مُمَاثِلٍ لَهُمَا ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ تَقْيِيدِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوَّلِ وَتَقْيِيدِ أَمْرٍ آخَرَ بِالثَّانِي، فَيَصِيرُ لَفْظُ (الْيَوْمَ) مُفْرَدًا غَيْرَ مَجْمُوعٍ إلَى مَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ: أَيْ أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فَكَذَا إذَا عَطَفَ جُمْلَةً أُخْرَى. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ بِالْوَاوِ وَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute