للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِاتِّصَالِ الْمُبْطِلِ بِالْإِيجَابِ فَلَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ، وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ، فَإِنْ أَتَى بِهَا لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ. وَثَمَرَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ

ــ

[رد المحتار]

عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلَاهُ تَنْجِيزًا لَمَّا انْتَفَى رَابِطُ الْجُمْلَتَيْنِ وَهُوَ الْفَاءُ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا. اهـ.

وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ إنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْقُدُورِيِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ مِثْلَ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَعْلِيقٌ وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ تَلْزَمُ الْفَاءُ فِي الْجَوَابِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فَيَقَعُ بِدُونِهَا، وَقِيلَ لَا فَلَا يَقَعُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَائِلٌ بِأَنَّهَا إبْطَالٌ.

وَاخْتُلِفَ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ إبْطَالًا وَإِنْ صَحَّ الرَّبْطُ بِوُجُودِ الْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، فَلَوْ حُذِفَتْ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا وَقَعَ مُنَجَّزًا وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا حِينَئِذٍ لِلتَّطْلِيقِ، وَقِيلَ إنَّهَا عِنْدَهُ لِلْإِبْطَالِ مُطْلَقًا فَلَا يَقَعُ وَإِنْ سَقَطَتْ الْفَاءُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْإِبْطَالِ وَأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته عَلَى أَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ لِلتَّعْلِيقِ، وَكَذَا مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ غَلَطٌ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، فَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ مُوَافَقَتِهِ لِعِدَّةِ كُتُبٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَلِتَصْرِيحِ الْقُدُورِيِّ بِهِ بَلْ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمْ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ الْمُبْطِلِ بِالْإِيجَابِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعْلِيقٌ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبْطِلِ لَفْظُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ وَإِنْ سَقَطَتْ الْفَاءُ مِنْ جَوَابِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة فَيَلْغُو الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ.

وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْوُقُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَاءِ لِعَدَمِ الرَّبْطِ. وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إعْدَامُ الْحُكْمِ لَا التَّعْلِيقِ، وَفِي الْإِعْدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ فَافْتَرَقَا اهـ.

قُلْت: وَهَذَا عَلَى أَحَدِ التَّخْرِيجَيْنِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ. أَمَّا عَلَى التَّخْرِيجِ الْآخَرِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِدُونِ الْفَاءِ وَهُوَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ فَيَقَعُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) يَعْنِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ هَلْ هُوَ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ: أَيْ فَقِيلَ إنَّهُ إبْطَالٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَائِلُ أَبَا حَنِيفَةَ، وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ: أَيْ قِيلَ إنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ التَّعْلِيقَ أَوْ الْإِبْطَالَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوْ قَوْلُ غَيْرِهِ.

فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا) إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ إلَخْ) هَذَا الضَّمِيرُ لَا مَرْجِعَ لَهُ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>