للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَزَبُورٍ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ وَمَا بُدِّلَ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَجَزَمَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِالْحُرْمَةِ وَخَصَّهَا فِي النَّهْرِ بِمَا لَمْ يُبْدَلْ (لَا) قِرَاءَةَ (قُنُوتٍ) وَلَا أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ، وَلَا مُعَاوَدَةَ

ــ

[رد المحتار]

تَنْوِيرٌ عَلَى دَعْوَى الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِتَعْجِيلِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْكِبَرِ، وَقَوْلُهُ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الثَّبَاتُ وَالْبَقَاءُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ وَهَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، لَكِنْ بِلَفْظِ «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» وَمِمَّا أَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ لِنَفْسِهِ:

أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ ... وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ

وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا ... وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ

وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ ... إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ

وَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا ... لَأَبْصَرَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ

اهـ فَتَّالٍ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَكْتُبَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَاسِّ لِلْقُرْآنِ حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَاسٌّ بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) يُؤْخَذُ هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَوَفَّقَ ط بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ أَصْلِهِ بِحَمْلِ قَوْلِ الثَّانِي عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَوْلُ الثَّالِثِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيفَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ نَحْوَ اللَّوْحِ لَا يُعْطَى حُكْمُ الصَّحِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ ط.

(قَوْلُهُ: قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) هُوَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ صَاحِبُ مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَشَارِحُ الْمُنْيَةِ

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. هَذَا، وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَمَا لَمْ يُبْدَلْ غَالِبٌ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَالصَّوْنِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ غَلَبَ الْمُحَرِّمُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوهَا عَنْ آخِرِهَا وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. وَاخْتَارَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ نُهِينَا عَنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا سَوَاءٌ نَقَلَهَا إلَيْنَا الْكُفَّارُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.

(قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يُبْدَلْ) أَمَّا مَا عُلِمَ أَنَّهُ مُبْدَلٌ لَوْ كَتَبَ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَسُّهُ كَزَعْمِهِمْ أَنَّ مِنْ التَّوْرَاةِ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةَ قُنُوتٍ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا جَعَلَهُ سُورَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ سُورَةً، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ أُخْرَى لَكِنْ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ قَطْعًا وَيَقِينًا بِالْإِجْمَاعِ فَلَا شُبْهَةَ تُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ الْمَذْكُورَ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ) أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَيَدُهُ لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَنْبَغِي غَسْلُهَا ثُمَّ يَأْكُلُ، بَدَائِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>