للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: نَعَمْ إلَّا لِمَانِعٍ، وَلِذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الْفَرْضِ بَاطِلٌ وَبَعْدَهُ يَصِحُّ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكُسْوَةَ كُسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لَمْ يَلْزَمْ فَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا. وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ مَالِكِيٌّ يَرَى ذَلِكَ فَلِلْحَنَفِيِّ تَقْدِيرُهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ. -

ــ

[رد المحتار]

فِي الْبَحْرِ: وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ أَيْ الْآتِيَةُ قَرِيبًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مُنْجِزٌ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَيَتَنَجَّزُ بِدُخُولِهِ وَهَكَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا لِمَانِعٍ) كَنُشُوزِهَا فَتَسْقُطُ فِي مُدَّتِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَتَغَيُّرِ السِّعْرِ غَلَاءً أَوْ رُخْصًا فَتَنْقُصُ أَوْ تُزَادُ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لَمَّا عَلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ الْفَرْضِ) يَشْمَلُ الْفَرْضَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا، وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِدُونِ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ قُصُورٌ فَافْهَمْ.

مَطْلَبٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ النَّفَقَةِ [تَنْبِيهٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً بِالْأَشْهُرِ، فَلَوْ بِالْأَيَّامِ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَكَذَا لَوْ بِالسِّنِينَ يَبْرَأُ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَقْبَلِ مَا دَخَلَ أَوَّلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَجَّزُ بِدُخُولِهِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَقَبْلَ دُخُولِ حُكْمِهِ حُكْمَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةٍ شَهْر وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ؛ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبَةً إلَخْ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لِمَعْنَى الْحَاجَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ، فَإِذَا فُرِضَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا صَارَتْ الْحَاجَةُ مُتَجَدِّدَةً بِتَجَدُّدِ كُلِّ شَهْرٍ، فَقَبْلَ تَجَدُّدِهِ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ فَرَضَهَا كُلَّ سَنَةٍ كَذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ سَنَةٍ دَخَلَتْ لَا عَنْ أَكْثَرَ وَلَا عَنْ سَنَةٍ لَمْ تَدْخُلْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ كَوْنِ تَقْدِيرِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمًا مِنْهُ. اهـ ح، وَالْمَفْهُومُ هُوَ كَوْنُهَا بِدُونِ تَقْدِيرِ الْقَاضِي لَا تَكُونُ لَازِمَةً، وَفِيهِ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَتَصِيرُ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الْفَرْضِ بَاطِلٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَرْضَ شَامِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مَعْنَاهُ التَّقْدِيرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَفْهُومُ أَنَّهَا قَبْلَ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لَا تَكُونُ لَازِمَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا تَمْوِينٌ بَدَلُ تَكُونُ، فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ تَفْسِيرٌ لِلتَّمْوِينِ (قَوْلُهُ وَالْكُسْوَةُ كُسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) أَيْ يَأْتِيهَا بِالْكُسْوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي كُلِّ نِصْفِ حَوْلٍ، بِأَنْ يَأْتِيَهَا بِهَا ثِيَابًا بِلَا تَقْوِيمٍ وَتَقْدِيرٍ بِدَرَاهِمَ بَدَلَ الثِّيَابِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شَرَطَهُ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ إلَى التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِالصُّلْحِ وَالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إذَا ظَهَرَ لَهُ مَطْلُهُ، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ بِذَلِكَ لَازِمَةً عَلَيْهِ وَدَيْنًا بِذِمَّتِهِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّرْطِ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْقَاضِي بِشَرْطِهِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ مَالِكِيٌّ إلَخْ) أَيْ لَوْ تَرَافَعَا إلَى مَالِكِيٍّ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَالَ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ وَصِحَّةِ شُرُوطِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>