لِكَوْنِهَا عَلَى عِتْقٍ مُبْهَمٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) شَهَادَتُهُمَا (فِي وَصِيَّةٍ) وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ (أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) فَتُقْبَلُ إجْمَاعًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ يُحَرِّمُ الْفَرَجَ إجْمَاعًا فَيَكُونُ حَقَّ اللَّهِ فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى، بِخِلَافِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَلَا يُحَرِّمُهُ عِنْدَهُ، لَكِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْتَى بِهِ فَلْيُحْفَظْ (كَمَا) تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (قَالَ فِي صِحَّتِهِ) لِقِنَّيْهِ (أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ) لِشُيُوعِ الْعِتْقِ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَصَارَ كُلٌّ خَصْمًا مُتَعَيَّنًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ.
[فُرُوعٌ] شَهِدَا بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلَا يَعْرِفُونَهُ عَتَقَ، وَلَوْ لَهُ عَبْدَانِ كُلٌّ اسْمُهُ سَالِمٌ وَجَحَدَ فَلَا عِتْقَ، كَشَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِهِ لِمُعَيَّنَةٍ سَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا أَوْ بِطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ لِلْجَهَالَةِ فَتْحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
الْفَرْجَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا عَلَى عِتْقٍ مُبْهَمٍ) أَيْ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ بَحْرٌ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَصِحُّ اتِّصَالُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَمِنْهَا وَالْإِتْيَانُ بِالْكَافِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصِيَّةِ هُنَا مَا ذُكِرَ كَمَا فَسَّرَهَا بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَيَّدَ بِالتَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهِ وَصِيَّةً فِي حَالَةِ الْمَرَضِ بِالْأَوْلَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أُدِّيَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ: يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ. وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [إصَابَةُ الْغَرَضِ الْأَهَمِّ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ] اعْتَرَضَ فِيهَا عَلَى الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحِهَا بِمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا شُهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَالْعَبْدَانِ يَدَّعِيَانِ أَوْ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا، فَفِي قَوْلِهِمَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَا تُقْبَلُ؛ وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَإِنْ قَالَا إنَّهُ كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الثُّلُثِ.
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ، فَإِنْ شَهِدَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَفَاةِ يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ،؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَالْجَهَالَةُ لَا تُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ. اهـ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الرِّسَالَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ أَصْلًا غَيْرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَلَا تُقْبَلُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَة، وَلَوْ قَالَا كَانَ هَذَا الْمَوْتُ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ فِي الْحَيَاةِ أَيْضًا. اهـ (قَوْلُهُ يُحَرِّمُ الْفَرْجَ) أَيْ فَرْجَيْهِمَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَلَوْ بِوَطْءٍ، وَإِذَا تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ حُرْمَتِهِ ط (قَوْلُهُ فَلَا يُحَرِّمُهُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا يُحَرِّمُ فَرْجَيْهِمَا بَلْ يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ) الْأَوْلَى وَلَا يَعْرِفَانِهِ (قَوْلُهُ لِلْجَهَالَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا عِتْقَ وَلِقَوْلِهِ لَمْ تُقْبَلْ: أَيْ لِجَهَالَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقٌ مَعْلُومٌ أَوْ مَعْلُومَةٌ أَوْ طَلَاقُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ أَوْ طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ. اهـ ط وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute