للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَمْدًا

ــ

[رد المحتار]

فَاخْتَلَفُوا أَسُرْيَانِيٌّ هُوَ أَمْ عَرَبِيٌّ؟ اسْمٌ أَوْ صِفَةٌ؟ مُشْتَقٌّ؟ أَوْ عَلَمٌ أَوْ غَيْرُ عَلَمٍ؟ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ عَلَمٌ مُرْتَجَلٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَصْلٍ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْخَلِيلُ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ الْعَارِفِينَ حَتَّى أَنَّهُ لَا ذِكْرَ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ مَقَامٍ فَوْقَ الذِّكْرِ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَالرَّحْمَنُ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ مُعَرَّبٌ عَنْ (رَخْمَانِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِإِنْكَارِ الْعَرَبِ حِينَ سَمِعُوهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ إنْكَارَهُمْ لَهُ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى - {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: ١١٠]- وَذَهَبَ الْأَعْلَمُ إلَى أَنَّهُ عَلَمٌ كَالْجَلَالَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى وَعَدَمِ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي مُسَيْلِمَةَ.

وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا ... فَمِنْ تَعَنُّتِهِ وَغُلُوِّهِ فِي الْكُفْرِ

وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْعَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ، وَأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَقِيلَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي اللَّفْظِ لَا تَكُونُ إلَّا لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا كَانَتْ عَبَثًا، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ عَلَى الرَّحِيمِ وَهُوَ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِصِيغَتِهِ، فَدَلَّتْ زِيَادَتُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى كَمًّا، لِأَنَّ الرَّحْمَانِيَّةَ تَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَالرَّحِيمِيَّةَ تَخُصُّ الْمُؤْمِنَ، أَوْ كَيْفًا لِأَنَّ الرَّحْمَنَ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِل النِّعَمِ، وَالرَّحِيمَ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَصْفَ بِهِمَا لِلْمَدْحِ، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى لَمِّيَّةِ الْحُكْمِ أَيْ إنَّمَا افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِاسْمِهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا مُسْتَعِينًا بِهِ لِأَنَّهُ الْمُفِيضُ لِلنِّعَمِ كُلِّهَا، وَكُلُّ مَنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا يُفْتَتَحُ إلَّا بِاسْمِهِ وَهَلْ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَنْ الْإِنْعَامِ أَوْ عَنْ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَيُرَادُ غَايَتُهَا؟ الْمَشْهُورُ الثَّانِي. وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ مَجَازًا كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ مَعَانِيهَا الْقَائِمَةُ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ مَعَ فَوَائِدَ أُخَرَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: حَمْدًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا. وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ. وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ إنْعَامِهِ، فَالْأَوَّلُ أَخَصُّ مَوْرِدًا إذْ الْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَأَعَمُّ مُتَعَلِّقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا بِمُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَالثَّانِي بِعَكْسِهِ، فَبَيْنَهَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَالشُّكْرُ لُغَةً يُرَادِفُ الْحَمْدَ عُرْفًا. وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ، وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْحَمْدِ لِانْفِرَادِهِ فِي مَدَحْت زَيْدًا عَلَى رَشَاقَةِ قَدِّهِ، وَاللُّؤْلُؤَةَ عَلَى صَفَائِهَا فَبَيْنَهَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ. وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيّ إلَى تَرَادُفِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِ فِي الْمَمْدُوحِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ، وَنَقَضَ التَّعْرِيفَ جَمْعًا بِخُرُوجِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى صِفَاتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّاتَ لَمَّا كَانَتْ كَافِيَةً فِي اقْتِضَاءِ تِلْكَ الصِّفَاتِ جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ مَبْدَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَانَ الْحَمْدُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ، فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>