(وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ) غَيْرُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا) الْخَالِيَةُ عَنْ الدُّسُومَةِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ حَتَّى الْإِنْفَحَةُ وَاللَّبَنُ عَلَى الرَّاجِحِ
ــ
[رد المحتار]
لِقُرْبِهَا مِنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَلِلتَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ بِثِيَابِ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْغَسْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْجُلُودَ الَّتِي تُدْبَغُ فِي بَلَدِنَا وَلَا يُغْسَلُ مَذْبَحُهَا، وَلَا تُتَوَقَّى النَّجَاسَاتُ فِي دَبْغِهَا وَيُلْقُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَلَا يَغْسِلُونَهَا بَعْدَ تَمَامِ الدَّبْغِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْخِفَافِ وَالْمَكَاعِبِ وَغِلَافِ الْكُتُبِ وَالْمُشْطِ وَالْقِرَابِ وَالدِّلَاءِ رَطْبًا وَيَابِسًا. اهـ.
أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِنَجَاسَتِهَا.
(قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ إلَخْ) مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَحْمُهَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا اللَّحْمَ لَا يَحْرُمُ فَدَخَلَتْ الْأَجْزَاءُ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ صَرِيحَةٌ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِيهَا قَبْلَ الْمَوْتِ الطَّهَارَةُ فَكَذَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [يس: ٧٨] الْآيَةَ، فَجَوَابُهُ مَعَ تَعْرِيفِ الْمَوْتِ بِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ أَوْ عَدَمِيٌّ. أَطَالَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهَا لَا يُنَجِّسُهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ رُوحُهُ بِلَا تَذْكِيَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ شَعْرَهُ نَجِسٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ.
فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُنَجِّسُهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ لِضَرُورَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَيْ لِلْخَرَّازِينَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي زَمَانِنَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ أَيْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ الْبَاعِثَةِ لِلْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ نُوحٌ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ مِنْ طَهَارَةِ الْعَصَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً، وَالْحِسُّ يَقَعُ بِهِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الثَّانِيَةَ.
(قَوْلُهُ الْخَالِيَةُ عَنْ الدُّسُومَةِ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَخَرَجَ الشَّعْرُ الْمَنْتُوفُ وَمَا بَعْدَهُ إذَا كَانَ فِيهِ دُسُومَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ) وَهُوَ مَا لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِ كَالرِّيشِ وَالْمِنْقَارِ وَالظِّلْفِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْإِنْفَحَةُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُشَدَّدُ الْحَاءُ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ. وَالْمِنْفَحَةُ وَالْبِنْفَحَةُ: شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّاضِعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ، فَإِذَا أَكَلَ الْجَدْيُ فَهُوَ كِرْشٌ، وَتَفْسِيرُ الْجَوْهَرِيِّ الْإِنْفَحَةَ بِالْكِرْشِ سَهْوٌ قَامُوسٌ بِالْحَرْفِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى لَهُ وَتَأْخِيرِهِ قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِيمَا يُرَجِّحُهُ. وَعِبَارَتُهُ مَعَ الشَّرْحِ: وَإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ مَائِعَةً وَلَبَنُهَا طَاهِرٌ كَالْمُذَكَّاةِ خِلَافًا لَهُمَا لِتَنَجُّسِهِمَا بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ. قُلْنَا نَجَاسَتُهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إذْ اللَّبَنُ الْخَارِجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ طَاهِرٌ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُلْتَقَى وَلَبَنُهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَيْتَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا، وَلَيْسَ عَائِدًا عَلَى الْإِنْفَحَةِ كَمَا فَهِمَ الْمُحَشِّي حَيْثُ فَسَّرَهَا بِالْجِلْدَةِ، وَعَزَا إلَى الْمُلْتَقَى طَهَارَتَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَوْ مَائِعَةً صَرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَحَةِ اللَّبَنُ الَّذِي فِي الْجِلْدَةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ لِتَنَجُّسِهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ جِلْدَتَهَا نَجِسَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ: وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَفْسَ الْوِعَاءِ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَلِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ غَيَّرَ الْعِبَارَةَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: وَكَذَا لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا وَنَجَسَاهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute