خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَوَفَّقَ الْكَمَالُ بِحَمْلِ الْحِنْثِ عَلَى سَطْحٍ لَهُ سَاتِرٌ وَعَدَمِهِ عَلَى مُقَابِلِهِ: وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّ الْحَالِفَ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ لَا يَحْنَثُ قَالَ مِسْكِينٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ارْتَقَى شَجَرَةً أَوْ حَائِطًا حَنِثَ وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عُرْفًا كَمَا لَوْ حَفَرَ سِرْدَابًا أَوْ قَنَاةً لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْلُ الدَّارِ قَالَ وَعَمَّ إطْلَاقُهُ الْمَسْجِدَ فَلَوْ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ بَدَائِعُ وَلَوْ قَيَّدَ الدُّخُولَ بِالْبَابِ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ سَطْحِ الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا عُدَّ دَاخِلًا لِأَنَّ الدَّارَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَحَاطَتْ بِهِ الدَّائِرَةُ وَهَذَا حَاصِلٌ فِي عُلُوِّ الدَّارِ وَسُفْلِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) هُمْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَقُبِلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي عُرْفَ الْعَجَمِ لَا يَحْنَثُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَدَمُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ) أَيْ عَدَمُ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مُقَابِلِهِ: أَيْ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا فِي هَوَاءِ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَرَفَ أَنَّهُ دَاخِلُ الدَّارِ. وَالْحَقُّ أَنَّ السَّطْحَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا حِسًّا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فِي الْعُرْفِ دَاخِلُ الدَّارِ مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ لَفْظُ دَخَلَ إلَّا بِجَوْفٍ حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ، وَلَكِنْ صَعِدَ السَّطْحَ مِنْ خَارِجٍ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعُرْفِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ لَهُ سَاتِرٌ مِنْ حِيطَانٍ أَوْ دَرَابِزِينٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعِدَ إلَى سَطْحِهَا الَّذِي لَا سَاتِرَ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ وَالْمَسْطُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ. اهـ.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِي صُعُودِ السَّطْحِ أَنْ يُحَقِّقَ الْخُرُوجَ فِيهِ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ صَعِدَ السَّطْحَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ وَلَا خَارِجٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّطْحَ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ الصَّاعِدُ إلَيْهِ خَارِجًا عَنْهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَحْنَثَ إذَا تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجِهَا لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ خَارِجِهَا إلَى دَاخِلِهَا، لَكِنَّ مَبْنَى كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ دَاخِلًا فِيهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا وَالْجَوْفُ الْمَسْتُورُ بِسَاتِرٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى وَاقِفًا عِنْدَهُمْ زَيْلَعِيٌّ وَهَذَا عَلَى تَوْفِيقِ الْكَمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ هُمْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي عُرْفَ الْعَجَمِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ تَوْفِيقَ الْكَمَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ لَكِنْ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا فِي كَلَامِهِ إيهَامٌ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا سَمِعْت (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فَحَيْثُ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَالْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ قَوْلُهُ وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَقَى شَجَرَةً) أَيْ فِي الدَّارِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ارْتَقَى إلَيْهَا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي الدَّارِ فَيَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ ح.
(قَوْلُهُ أَوْ حَائِطًا) أَيْ مُخْتَصًّا بِالدَّارِ فَلَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عُرْفًا) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ لَفْظُ دَخَلَ إلَّا بِجَوْفٍ (قَوْلُهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ) أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْقَنَاةِ مَوْضِعٌ مَكْشُوفٌ فِي الدَّارِ يَسْتَقُونَ مِنْهُ، فَإِذَا بَلَغَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِلضَّوْءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَرَافِقِهَا وَلَا يُعَدُّ دَاخِلُهُ دَاخِلًا فِي الدَّارِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا، وَقَوْلُهُ لِلضَّوْءِ: أَيْ لِضَوْءِ الْقَنَاةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَعَمَّ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ السَّطْحِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ سَطْحَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ) ظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ ط إنَّ الْمُرَادَ مَسْكَنٌ بَنَاهُ الْوَاقِفُ أَمَّا الْحَادِثُ عَلَى سَطْحِهِ فَلَا يَخْرُجُ السَّطْحُ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute