(وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) فَيُؤْكَلُ بِكُلِّ حَالٍ (وَكَذَا نَافِجَتُهُ) طَاهِرَةٌ (مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ) فَتْحٌ، وَكَذَا الزَّبَادُ أَشْبَاهٌ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى الطِّيبِيَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِطَهَارَةِ شَعْرِهِ. وَمِمَّا فِي السِّرَاجِ أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ نَجِسٌ وَشَعْرَهُ طَاهِرٌ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ جِلْدِهِ. مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْقَوْلُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهَا عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ السِّرَاجِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ شَعْرِهِ وَالْمُخْتَارُ الطَّهَارَةُ وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى ذِكْرُ الِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ تَقْتَضِي نَجَاسَةَ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلَعَلَّ مَا فِي السِّرَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَيِّتًا لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، نَعَمْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ: أَيْ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَضَ مِنْ الْمَاءِ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَلَلُ وَصَلَ إلَى جِلْدِهِ أَوْ لَا، وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ شَعْرِهِ فَتَأَمَّلْ. .
مَطْلَبٌ فِي الْمِسْكِ وَالزَّبَادِ وَالْعَنْبَرِ (قَوْلُهُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا فَقَدْ تَغَيَّرَ فَيَصِيرُ طَاهِرًا كَرَمَادِ الْعَذِرَةِ خَانِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ الِاسْتِحَالَةُ إلَى الطَّيِّبَةِ وَهِيَ مِنْ الْمُطَهَّرَاتِ عِنْدَنَا، وَزَادَ قَوْلَهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ مِنَحٌ: أَيْ فَإِنَّ التُّرَابَ طَاهِرٌ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمِسْكَ أَطْيَبُ الطِّيبِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ (قَوْلُهُ فَيُؤْكَلُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَدْوِيَةِ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا. وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ مُقَوٍّ لِلْقَلْبِ، مُشَجِّعٌ لِلسَّوْدَاوَيْنِ، نَافِعٌ لِلْخَفَقَانِ وَالرِّيَاحِ الْغَلِيظَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَالسُّمُومِ وَالسُّدَدِ بَاهِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا نَافِجَتُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ: وَهِيَ جِلْدَةٌ يُجْمَعُ فِيهَا الْمِسْكُ مُعَرَّبُ نَافَهْ. .
اهـ شَيْخُ إسْمَاعِيلَ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ فَاؤُهَا مَفْتُوحَةٌ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا، وَبَيْنَ مَا انْفَصَلَ مِنْ الْمَذْبُوحَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ كَوْنِهَا بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ فَسَدَتْ أَوْ لَا. اهـ إسْمَاعِيلُ عَنْ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً مِنْ غَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ.
(قَوْلُهُ فَتْحٌ) وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الزَّبَادُ أَشْبَاهٌ) أَيْ فِي قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَكَذَا الْعَنْبَرُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَالْحِلْيَةِ طَهَارَةَ الزَّبَادِ بَحْثًا وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَقْلًا، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ نَاقِلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: الزَّبَادُ طَاهِرٌ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ عَرَقُ الْهِرَّةِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَرَقًا إلَّا أَنَّهُ تَغَيَّرَ وَصَارَ طَاهِرًا بِلَا كَرَاهَةٍ.
وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ: سَمِعْت جَمَاعَةً مِنْ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا يَقُولُونَ: إنَّهُ عَرَقُ سِنَّوْرٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ طَاهِرًا. وَفِي الْمِنْهَاجِيَّةِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمَسَائِلِ: الْمِسْكُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ، وَكَذَا الزَّبَادُ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْعَنْبَرُ. وَفِي أَلْغَازِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، قِيلَ: إنَّ الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ لَيْسَا بِطَاهِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمِسْكَ مِنْ دَابَّةٍ حَيَّةٍ، وَالْعَنْبَرَ خُرْءُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ.
وَأَمَّا الْعَنْبَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَيْنٌ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْقِيرِ وَكِلَاهُمَا طَاهِرٌ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَيْسَ الْعَنْبَرُ رَوْثًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، بَلْ هُوَ نَبَاتٌ فِي الْبَحْرِ. اهـ وَلِلْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [السُّؤَالُ وَالْمُرَادُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالزَّبَادِ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute