(وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا) مُغَلَّظَةً (مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَمُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ) وَهَذَا (فِي حَقِّ الْوُضُوءِ) وَالْغُسْلِ؛ وَمَا عُجِنَ بِهِ فَيُطْعَمُ لِلْكِلَابِ؛ وَقِيلَ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيٍّ، أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَغَسْلِ ثَوْبٍ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ فِي الْحَالِ
ــ
[رد المحتار]
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: الْخَمْسُ إلَى التِّسْعِ كَهِرَّةٍ، وَالْعَشْرُ كَشَاةٍ، وَجَزَمَ فِي الْمَوَاهِبِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَنَفَى الثَّانِي فَأَفَادَ ضَعْفَهُ.
(قَوْلُهُ مُغَلَّظَةً) بَيَانٌ لِصِفَةِ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّخْفِيفَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَاءِ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ مَا مَاتَ فِيهَا (قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ) أَيْ الْوَقْتُ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ قُهُسْتَانِيٌّ، وَمِنْهُ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِوُقُوعِهَا يَوْمَ كَذَا كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ط (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ يَعْنِي الْمَكْتُوبَةَ وَالْمَنْذُورَةَ وَالْوَاجِبَةَ وَسُنَّةَ الْفَجْرِ. اهـ حِلْيَةٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ إنَّمَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ فِي يَوْمِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا عُجِنَ بِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ فَيُطْعَمُ لِلْكِلَابِ) ؛ لِأَنَّ مَا تَنَجَّسَ بِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَالنَّجَاسَةُ مَغْلُوبَةٌ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْأَكْلِ كَالدُّهْنِ النَّجِسِ يَسْتَصْبِحُ بِهِ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ غَالِبًا فَكَذَا هَذَا حِلْيَةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَجِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَغَيْرُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِثْلُهُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجَّسُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُطْعَمُ بَنِي آدَمَ. اهـ. وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ كَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي اعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ نَجِسٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى اعْتِقَادِ غَيْرِهِ، وَلِذَا لَوْ اسْتَفْتَاهُ عَنْهُ لَا يُفْتِيهِ إلَّا بِمَا يَعْتَقِدُهُ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْعَجِينِ (قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ) الْأَوْلَى بِنَجَاسَتِهَا أَيْ الْبِئْرِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَالِ: أَيْ حَالِ وُجُودِ الْفَأْرَةِ مَثَلًا، لَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا مِنْ وَقْتِ غَسْلِ الثِّيَابِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ، حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا فِي الصَّحِيحِ. اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ أَيْضًا.
وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فِي الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَتَنَجَّسَ الثِّيَابُ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَائِهَا قَبْلَهُ، فَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُهَا. اهـ وَكَذَا اعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَزِمَ غَسْلُ الثِّيَابِ لِكَوْنِهَا، غُسِلَتْ بِمَاءِ هَذَا الْبِئْرِ فَكَيْفَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الثِّيَابِ بِالنَّجَاسَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ غَسْلِهَا الْمُتَيَقَّنِ حُصُولُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْفَأْرَةِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى وَقْتِ وُجُودِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ، وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالثَّوْبِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: إنْ كَانَتْ مُنْتَفِخَةً أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَمَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ فِي الثَّلَاثَةِ أَفْسَدَهُ، وَإِنْ عُجِنَ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ خُبْزُهُ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ نَقَلَ مَا نَقَلْنَاهُ قَالَ إنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي إعْلَامِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَالِ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، نَعَمْ أَشَارَ فِي الدُّرَرِ إلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute