للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِيهَا بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ.

لَا يَدَّعِ مَا لَهُ الْيَوْمَ عَلَى غَرِيمِهِ فَقَدَّمَهُ لِلْقَاضِي وَحَلَّفَهُ بَرَّ.

ــ

[رد المحتار]

بَعْدَ مَا نَهَاهَا عَنْ الْكَلَامِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا وَقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ لَتَفْعَلَنَّ يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ.

مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ وَبَيْنَ لَا يَدْخُلُ

قُلْت: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا أَدَعُهُ يَفْعَلُ وَبَيْنَ لَا يَفْعَلُ يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ: إنْ أَدْخَلْت فُلَانًا بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَالْيَمِينُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ أَمَرَ الْحَالِفُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ؛ وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّرْكُ لِلدُّخُولِ، فَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ. اهـ.

وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلُوا الْيَمِينَ فِي الثَّانِي عَلَى مُجَرَّدِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ دُخُولُ فُلَانٍ، فَمَتَى تَحَقَّقَ دُخُولُهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَإِنْ مَنَعَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لِأَنَّ مَنْعَهُ لَا يَنْفِي دُخُولَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ.

وَأَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْمَنْعِ قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ قَوْلًا فَقَطْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدَعُهُ أَوْ لَا يَتْرُكُهُ يَدْخُلُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يُخَلِّيهِ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَمْنَعْهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ أَوْ خَلَّاهُ فَيَحْنَثُ، هَذَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ وَقَدَّمْنَا فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَنَّهُ لَوْ فَرَّ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَا يُفَارِقُنِي يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَدْ جَزَمَ بِحِنْثِهِ إذَا فَرَّ مِنْهُ بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يُفَارِقُنِي.

وَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى السَّابِقَةِ أَنَّ أُخْتَهُ إذَا تَكَلَّمَتْ يَحْنَثُ سَوَاءٌ مَنَعَهَا عَنْ الْكَلَامِ أَوْ لَا لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْكَلَامُ، وَمَنْعُهُ لَهَا لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا أَوْ لَا يُخَلِّيهَا تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْمَنْعِ قَوْلًا فَقَطْ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَنْعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ.

كَمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدَعَ فُلَانًا يَمُرُّ عَلَى هَذِهِ الْقَنْطَرَةِ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْعَ بِالْفِعْلِ. اهـ.

وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ فِي الْكُتُبِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ عَلَى صِهْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْحَلُ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ أَجَابَ: مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْغَزِّيِّ وَأَفْتَى بِهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى لَا يُمَكِّنُهُ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ اهـ أَوْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ لَفْظُ لَا يَدَعُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ دُونَ الشَّاذِّ الْخَفِيِّ الْمَعْلُولِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ]

عُلِمَ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَشَرْطُ الْبِرِّ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى لَا يَدَعُهُ يَفْعَلُ، بِأَنْ يُقَالَ هُنَا: يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ فِي: لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ فَذَاكَ فِي مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَسْكُنُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَكْفِي الْأَمْرُ لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى الْفِعْلِ لَا عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، وَمُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِهِ لَا يُحَقِّقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ أَيْضًا، وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ لَا يَسْهُو فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ) لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَنَعَهُ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ مَالِكَ الدَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ شُرُنْبُلَالِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَحَلَّفَهُ بَرَّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>