وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ فَلَهُ تَعْزِيرُ الْمُدَّعِي مُنْيَةٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: خَدَعَ امْرَأَةً إنْسَانٌ وَأَخْرَجَهَا زُوِّجَهَا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. مَنْ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَ أَهْلَهُ لِلظَّلَمَةِ فَحَبَسُوهُمْ وَغَرَّمُوهُمْ عُزِّرَ. يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ كَتَعْرِيفِ نَحْوِ تَمْرَةٍ. التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَالْحَدِّ. قَالَ: وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ قُلْت: قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَزَادَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَيُضْرَبَ التَّعْزِيرَ، وَفِي الْحَدِيثِ «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ لَا فِي الْحَدِّ» . وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ، لَا تَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِك
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الزِّنَا مَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَفِي إفْضَائِهَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّهَا.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ تَمْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا مِرَارًا وَمُرَادُهُ إظْهَارُ وَرَعِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كُلْهَا يَا بَارِدَ الْوَرَعِ فَإِنَّهُ وَرَعٌ يَبْغَضُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ الْبَارِدِ فَافْهَمْ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ فَهُوَ مَمْدُوحٌ كَمَا نُقِلَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ عَنْ الْغَزْلِ عَلَى ضَوْءِ الْعَسَسِ حِينَ يَمُرُّ عَلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أُخْتُ بِشْرٍ الْحَافِي، فَقَالَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّ الْوَرَعَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِكُمْ (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَقًّا لِعَبْدٍ، أَمَّا مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ قُلْت قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا إلَخْ) تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. اهـ. قُلْت: وَفِي كَفَالَةِ كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا أَحْبِسَهُ وَلَا أُعَزِّرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي الْحُدُودِ» اهـ وَقَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كَفَالَةِ الْأَصْلِ: لَوْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَتِيمَةً فَاحِشَةً أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ عُزِّرَ أَسْوَاطًا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُعِظَ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ضُرِبَ التَّعْزِيرَ. قُلْت لِمُحَمَّدٍ: وَالْمُرُوءَةُ عِنْدَك فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ خَطَرٌ وَمُرُوءَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُعَزَّرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ أَيْ مَرَّةً أُخْرَى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مُرُوءَةٍ، وَالْمُرُوءَةُ مُرُوءَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ اهـ مُلَخَّصًا.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ: جَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» وَفَسَّرَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَيُتْرَكُ.
وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ. وَقِيلَ الَّذِينَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الذَّنْبُ تَابُوا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَمْتَنُ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُشِيرُ إلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ لَا تَأْتِيَ» إلَخْ) لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ» وَقَوْلُهُ لَا تَأْتِي أَصْلُهُ لِئَلَّا تَأْتِيَ فَحُذِفَ اللَّامُ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ ح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute