وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَصَارَ شُبْهَةً غَايَةٌ بَحْثًا (وَحَمَّامٍ) فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ، وَكَذَا حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْحَانَاتُ مُجْتَبَى (وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) وَلَوْ أُذِنَ لِمَخْصُوصِينَ فَدَخَلَ غَيْرُهُمْ وَسَرَقَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ مَعَ وُجُودِ الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ فِي الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ حِرْزٌ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِهِ يُفْتِي شُمُنِّيٌّ.
(وَكُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا) فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ حِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا مُجْتَبَى، لَكِنْ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَتَنَبَّهْ (وَلَا يُقْطَعُ قَفَّافٌ) هُوَ مَنْ يَسْرِقُ الدَّرَاهِمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (وَفَشَّاشٌ)
ــ
[رد المحتار]
حُكْمٍ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُبَاحَ الْأَصْلِ مَا يَكُونُ تَافِهًا، وَيُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ كَمَا مَرَّ، وَالْمَغْنَمُ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ. وَأَيْضًا حُكْمُ مُبَاحِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنْ مُلِكَ وَسُرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَالْمَغْنَمُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا نَعَمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَأْثُورِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْآخِذَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَسْكَرِ فَالْمَغْنَمُ دَاخِلٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْعَامَّةِ اهـ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّ خُمُسَ الْمَغْنَمِ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ الْعَامَّةِ. وَمَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْعَامَّةِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَمَا عَلَّلُوا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ) فَيُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ لَيْلًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ بَحْرٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَ النَّاسُ دُخُولَهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَإِلَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا.
فَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ خَانٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ حَوَانِيتِ التُّجَّارِ وَبَابُهَا مُغْلَقٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) فَلَا قَطْعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الْمَأْذُونِ بِالدُّخُولِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ إلَخْ) فَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْحَمَّامِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ الْمَسْرُوقُ تَحْتَهُ لَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ حِرْزًا كَالْبَيْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ، وَالْمَسْجِدُ لَمْ يُبْنَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَيُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَأَفَادَ أَنَّ الْحِرْزَ نَوْعَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ حِرْزٍ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ عِنْدَهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ حَافِظٌ، وَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا
(قَوْلُهُ فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِصْطَبْلَ كَذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا حِرْزُ مِثْلِهَا، حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْمُودَعُ اللُّؤْلُؤَةَ فِي الْإِصْطَبْلِ يَضْمَنُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) إنْ كَانَ أَعَادَهُ لِأَجْلِ نِسْبَتِهِ إلَى الْمُجْتَبَى كَانَ أَخْصَرَ عَزَوْهُ إلَيْهِ عَقِبَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إفَادَةُ الْحَصْرِ بِالْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) لَمْ يَنْسُبْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى أَحَدٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِيهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ.
ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ بِحِرْزِ مِثْلِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَوْلُ الْبَعْضِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُصَحَّحَ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ سَبْقُ نَظَرٍ، فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ قَفَّافٌ) بِقَافٍ وَفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (قَوْلُهُ هُوَ مَنْ يَسْرِقُ الدَّرَاهِمَ) الَّذِي فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ الَّذِي يُعْطَى الدَّرَاهِمَ لِيَنْقُدَهَا فَيَسْرِقَهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute