للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَوْضِيحُهُ: إذَا قِيلَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، وَالْمُضَارِعُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ. قُلْت: فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: يَنْبَغِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ شُبْهَةً لِدَرْءِ الْحَدِّ وَفِيهِ بُعْدٌ.

(لِلْإِمَامِ قَتْلُ السَّارِقِ سِيَاسَةً) لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ دُرَرٌ، وَهَذَا إنْ عَادَ، وَأَمَّا قَتْلُهُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ مِنْ السِّيَاسَةِ فِي شَيْءٍ نَهْرٌ، قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْهُ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ فِي بَابِ الْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِمَامِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ فَلْيُحْفَظْ.

ــ

[رد المحتار]

فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مُعَلَّلَةٌ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى الْحَالِ وَالنَّصْبَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَمَا هُنَا عَلَّلَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ. قُلْت: وَتَحْقِيقُ الْمَقَامِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ إلَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ، فَلَوْ بِمَعْنَى الْمَاضِي مِثْلُ أَنَا ضَارِبُ زَيْدٍ أَمْسِ وَجَبَتْ إضَافَتُهُ وَتُسَمَّى إضَافَةً مَحْضَةً وَالْعَامِلُ يَجُوزُ إضَافَتُهُ، وَتُسَمَّى غَيْرَ مَحْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْعَمَلِ وَالْقَطْعِ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَالَ الْإِضَافَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيمَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ هُوَ الْعَمَلُ، فَالْأَصْلُ فِي الْمُضَافِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَيَكُونَ إقْرَارًا بِأَنَّهُ سَرَقَ الثَّوْبَ فِي الْمَاضِي، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِسَرِقَتِهِ أَيْضًا فِي الْحَالِ فَيُقْطَعُ. أَمَّا إذَا نَصَبَ الثَّوْبَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْحَالِ لَزِمَ الْقَطْعُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَمْ يَلْزَمْ، فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ وَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، فَيَكُونُ عِدَةً بِأَنَّهُ سَوْفَ يَسْرِقُ هَذَا الثَّوْبَ لَا إقْرَارًا بِأَنَّهُ هُوَ سَارِقُهُ فِي الْحَالِ: أَيْ هَذِهِ السَّرِقَةُ الْمُدَّعَى بِهَا فَافْهَمْ.

وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قُلْت فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ قُلْت: وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ بِإِصْرَارِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ، أَمَّا لَوْ رَجَعَ قُبِلَ رُجُوعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. أَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الْعَالِمِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْإِقْرَارَ فَيُقْطَعُ مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الْإِعْرَابُ شُبْهَةً دَارِئَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يُقْطَعُ إذَا نَوَّنَ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ دَلِيلُ عَدَمِ إرَادَةِ الْإِقْرَارِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ عَادَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، لَكِنْ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا سَرَقَ بَعْدَ الْقَطْعِ مَرَّتَيْنِ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ: رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ مَا نَصُّهُ: إذَا سَرَقَ ثَالِثًا وَرَابِعًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: فَمَا يَقَعُ مِنْ حُكَّامِ زَمَانِنَا مِنْ قَتْلِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ سِيَاسَةٌ جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَجَهْلٌ، وَالسِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ شَرْعٍ مُغَلَّظٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدَّمْنَا إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>