(وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ)
(وَ) إذَا صَارَ ذِمِّيًّا (يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ) -
ــ
[رد المحتار]
قَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ لَهُ إنْ أَقَمْت طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ مِنْ الْعَوْدِ، وَفِي هَذَا اشْتِرَاطُ التَّقَدُّمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَلَا يُنَافِي تَصْرِيحَ الْعَتَّابِيِّ بِالِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ إلَخْ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِ السَّعْدِيَّةِ فَلَعَلَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فَافْهَمْ، وَعَلَيْهِ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَوْلِ أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ أَقَمْت حَوْلًا أَخَذْت مِنْك الْجِزْيَةَ فَتْحٌ. .
مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمُسْتَأْمِنِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا
(قَوْلُهُ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يَجْرِي الْقِصَاصُ إلَخْ) أَمَّا قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بَلْ الدِّيَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّيَرُ: الْأَصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نُصْرَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِنَا، فَكَانَ حُكْمُهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْتَأْمَنٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ بِقَتْلِ مِثْلِهِ، وَيَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا إذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ عُقُوبَةً لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْمُسْتَأْمَنِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَمْ يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَمَعَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْكِبَارِ، وَلَوْ إنَاثًا لِانْتِهَاءِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ، وَلَا يَصِيرُ الصَّغِيرُ تَبَعًا لِأَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ جَدِّهِ وَلَوْ الْأَبُ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إذْ لَوْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ الْأَدْنَى، لَصَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَعْلَى، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالرِّدَّةِ لِكُلِّ كَافِرٍ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَنُوحَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَتْبَعُوهُ إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى دَارِنَا قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِمْ اهـ مُلَخَّصًا وَسَنَذْكُرُ عَنْهُ أَنَّ تَبَعِيَّةَ الصَّغِيرِ تَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ - مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا وَلَوْ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ تَجَسَّسَ أَخْبَارَنَا، فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ كُرْهًا أَوْ سَرَقَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا حُكْمُهُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ إلَّا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ، وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعُقُوبَاتِ غَيْرَ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَفِي أَخْذِ الْعَاشِرِ مِنْهُ الْعُشْرَ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ. مَطْلَبٌ مَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصَارَى زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يَجُوزُ
أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ مَالِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ مَالِهِمْ بِرِضَاهُمْ، وَلَوْ بِرِبًا أَوْ قِمَارٍ لِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ لَنَا إلَّا أَنَّ الْغَدْرَ حَرَامٌ، وَمَا أُخِذَ بِرِضَاهُمْ لَيْسَ غَدْرًا مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا لِأَنَّ دَارَنَا مَحَلُّ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ فِي دَارِنَا أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ الْعُقُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا وَإِنْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْجِزْيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute