. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: إنَّ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ، أَنَّهَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَهُمْ إمَّا وَقْفًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِمَّا مِلْكًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ يَبْقَى فِي يَدِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَجَدْنَا فِي يَدِهِ أَوْ مِلْكِهِ مَكَانًا مِنْهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُحْيِيَ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ وُصُولًا صَحِيحًا. اهـ. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ
قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْفِقْهِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ السُّبْكِيّ: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّا نَحْكُمُ لِذَوِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ بِبَقَاءِ أَيْدِيهِمْ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُ أَصْلِ الْأَرَاضِي مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ نَظَرْنَا إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَلَا الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا وَأُحْيِيَتْ وَعَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ اسْتِمْرَارَ الْيَدِ عَلَيْهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ أَوْ النُّظَّارِ فِيمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الْأَزْمَانَ الْمُتَطَاوِلَةَ قَرَائِنُ ظَاهِرَةٌ، أَوْ قَطْعِيَّةٌ عَلَى الْيَدِ الْمُفِيدَةِ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَعَدَمِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ جَوَّزْنَا الْحُكْمَ بِرَفْعِ الْمَوْجُودِ الْمُحَقَّقِ: أَيْ وَهُوَ الْيَدُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ أَصْلٍ مُسْتَصْحَبٍ، لَزِمَ تَسْلِيطُ الظَّلَمَةِ عَلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ اتِّضَاحًا لَا يَبْقَى مَعَهُ رِيبَةٌ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ الْمَجْهُولَ انْتِقَالُهَا إلَيْهِمْ تُقَرُّ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا قَالُوا فِي الْكَنَائِسِ الْمَبْنِيَّةِ لِلْكُفْرِ إنَّهَا تَبْقَى، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا عَمَلًا بِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ الضَّعِيفِ أَيْ كَوْنُهَا كَانَتْ فِي بَرِيَّةٍ، فَاتَّصَلَتْ بِهَا عِمَارَةُ الْمِصْرِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا بِبَقَاءِ تِلْكَ الْأَرَاضِي بِيَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا فَأُحْيِيَتْ، أَوْ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا وَقَعَ مِنْ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ بِيبَرْسَ مِنْ إرَادَتِهِ انْتِزَاعَ الْعَقَارَاتِ مِنْ مُلَّاكِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ
وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً رَدًّا عَلَى مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ أَوْقَافِ مِصْرَ وَإِقْلِيمِهَا، وَإِدْخَالَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَالَ: وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ مُطَالَبَةَ ذَوِي الْعَقَارَاتِ بِمُسْتَنَدَاتٍ تَشْهَدُ لَهُمْ بِالْمِلْكِ، وَإِلَّا انْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ مُتَعَلِّلًا بِمَا تَعَلَّلَ بِهِ ذَلِكَ الظَّالِمُ، فَقَامَ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مِلْكُهُ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا زَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشَنِّعُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيَعِظُهُ إلَى أَنْ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي اتَّفَقَتْ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى قَبُولِ نَقْلِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَحْقِيقِهِ وَفَضْلِهِ نَقَلَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِمُسْتَنَدٍ عَمَلًا بِالْيَدِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ اهـ.
قُلْت: فَإِذَا كَانَ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ، أَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمِصْرِيَّةَ وَالشَّامِيَّةَ أَصْلُهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجِيزُوا مُطَالَبَةَ أَحَدٍ يَدَّعِي شَيْئًا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُسْتَنَدٍ يَشْهَدُ لَهُ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ، بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا بِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا أُقِرُّوا عَلَيْهَا بِالْخَرَاجِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمَالِكِينَ لَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِهَا وَإِبْطَالِ الْمَوَارِيثِ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute