للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحَرْبِ أَوْ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ) زَادَ فِي الْفَتْحِ أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ (أَوْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ) بِأَنْ يُبْعَثَ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ. فَلَوْ لَمْ يَبْعَثُوهُ لِذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ (وَصَارَ) الذِّمِّيُّ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ صُوَرٍ (كَالْمُرْتَدِّ) فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ (إلَّا أَنَّهُ) لَوْ أُسِرَ (يُسْتَرَقُّ) وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ) وَالْمُرْتَدُّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ (لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْعَهْدَ) زَيْلَعِيٌّ (بِخِلَافِ الْأَمَانِ) لِلْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ بَحْرٌ (وَلَا بِالْإِبَاءِ عَنْ) أَدَاءِ (الْجِزْيَةِ)

ــ

[رد المحتار]

مِنْ الْعُقُودِ وَنَحْوِهَا لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إلْزَامِهِمْ الصَّغَارَ وَعَدَمِ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنْعَهُمْ عَنْ التَّعَلِّي وَاجِبٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِ دِينَهُ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ الْمُسْلِمِ. اهـ.

وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَعْظِيمُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرِّضَا بِاسْتِعْلَائِهِ تَعْظِيمٌ لَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ

(قَوْلُهُ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَا كَانَ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ فَيُعَرَّى عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يَبْقَى وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ) أَيْ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ فَتْحٌ وَقَوْلُهُ لِلْحَرْبِ أَيْ لِأَجْلِ حَرْبِنَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحِرَابِ بِزِيَادَةِ الْأَلْفِ وَاحْتَرَزَ بِالْغَلَبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَمَّا لَوْ كَانُوا مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ يُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ انْتِقَالُهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَغَلَّبُوا فِيهِ كَانْتِقَالِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ مُوَاخِمًا لِدَارِ الْإِسْلَامِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَائِهَا عَلَى مَا يَأْتِي، لَكِنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قَبُولِهَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ وَضْعِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدُ ذِمَّةٍ، حَتَّى يُنْتَقَضَ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِيمَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِ الذِّمَّةِ تَبَعًا ثُمَّ صَارَ أَهْلًا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَإِذَا أَفَاقَ أَوْ بَلَغَ أَوَّلَ الْحَوْلِ تُوضَعُ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ أَوْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ) هَذَا مِمَّا زَادَهُ فِي الْفَتْح أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا، بَلْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُبْعَثَ لِيَطَّلِعَ إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ مُسْتَأْمَنٌ وَيُقِيمَ سَنَةً، وَتُضْرَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَقَصْدُهُ التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيُخْبِرَ الْعَدُوَّ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَبْعَثُوهُ) بِأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَصْلِيًّا وَطَرَأَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَصْدُ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ) حَيْثُ قَالَ لَوْ كَانَ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعُيُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَقْتُلَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَيُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُ الْفَتْحِ بِالطَّلِيعَةِ فَإِنَّ الطَّلِيعَةَ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ، وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ) فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَتْحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ) لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدُّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَةِ بَحْرٍ (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْعَهْدَ) لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْقَوْلِ بَلْ بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْأَمَانِ لِلْحَرْبِيِّ.

قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ أَمَانَ الْحَرْبِيِّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَوْدِ، مَتَى أَرَادَ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، بِخِلَافِ عَهْدِ الذِّمَّةِ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلِذَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَيُجْبِرُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْجِزْيَةِ مَا دَامَ تَحْتَ قَهْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَحِقَ بِدَارِهِمْ أَوْ غَلَبُوا عَلَى مَوْضِعٍ أَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً أَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ صَارَ حَرْبًا عَلَيْنَا كَمَا مَرَّ وَفِي الثَّالِثِ: عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعَهْدَ بَلْ جَعَلَهُ وَصْلَةً إلَى إضْرَارِهِ بِنَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>