وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِيهِ: يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ انْتَهَى؛ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ وَلَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَكْفُرُ
ــ
[رد المحتار]
الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى دِينٍ، أَوْ الَّذِي يَكُونُ اعْتِقَادُهُ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ تَفْسِيرَهُ شَرْعًا بِمَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَهَذَا أَعَمُّ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُنَافِقِ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا، وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يَسُرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ اهـ.
مَطْلَبٌ حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِمَّا هُنَا حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ فَإِنَّهُمْ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ وَحِلَّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ تَظْهَرُ فِي شَخْصٍ بَعْدَ شَخْصٍ وَيَجْحَدُونَ الْحَشْرَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ، وَيَقُولُونَ الْمُسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَيَتَكَلَّمُونَ فِي جَنَابِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ فَظِيعَةً. وَلِلْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيِّ فِيهِمْ فَتْوَى مُطَوَّلَةٌ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ عَقَائِدَ النُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ بِالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ. وَنَقَلَ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِمْ فَتْوَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا فَرَاجِعْهَا.
مَطْلَبٌ جُمْلَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُلْحِدِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذَا الِاعْتِقَادِ الْخَبِيثِ لَا يَجْعَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ أَحَدِهِمْ ظَاهِرًا إلَّا بِشَرْطِ التَّبَرِّي عَنْ جَمِيعِ مَا يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَيُقِرُّونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَبَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ أَصْلًا. وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ سَأَلَ فُقَهَاءَ سَمَرْقَنْدَ عَنْ رَجُلٍ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ ثُمَّ أُقِرُّ بِأَنِّي كُنْت أَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْقَرَامِطَةِ وَأَدْعُو إلَيْهِ وَالْآنَ تُبْت وَرَجَعْت وَهُوَ يُظْهِرُ الْآنَ مَا كَانَ يُظْهِرُهُ قَبْلُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَتْلُ الْقَرَامِطَةِ وَاسْتِئْصَالُهُمْ فَرْضٌ. وَأَمَّا هَذَا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ يُتَغَفَّلُ وَيُقْتَلُ: أَيْ تُطْلَبُ غَفْلَتُهُ فِي عِرْفَانِ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِغْفَالٍ لِأَنَّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَدَعَا النَّاسَ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي بَعْدُ مِنْ التَّوْبَةِ وَلَوْ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لَهَدَمُوا الْإِسْلَامَ وَأَضَلُّوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْكِنَ قَتْلُهُمْ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ عِدَّةَ فَتَاوَى عَنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ اعْتِمَادُ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْهَا وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ أَوْ لَا: أَيْ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَحْرِيمَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا هُوَ كُفْرٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢]- وَعَلَى هَذَا فَغَيْرُ الْمُكَفِّرِ لَا يُسَمَّى سِحْرًا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاحِرِ غَيْرُ الْمُشَعْوِذِ وَلَا صَاحِبُ الطَّلْسَمِ وَلَا مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ يَعْتَقِدْ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ، وَلِذَا قَالَ هُنَا وَلَا يَعْتَقِدُهُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يُسَمَّى سَاحِرًا مَا لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ يَفْعَلْ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute