للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ صَنْعَةٍ وَمَكَانٍ (عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهَا

وَمِنْهُ تَعْلِيمُ كِتَابَةٍ وَقُرْآنٍ وَفِقْهٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ دَلَّالِينَ وَمُغَنِّينَ وَشُهُودِ مَحَاكِمَ وَقُرَّاءِ مَجَالِسَ وَتَعَازٍ

ــ

[رد المحتار]

ثَلَاثَةٌ عَمَلًا بِلَا عَقْدِ شَرِكَةٍ فَعَمِلَهُ أَحَدُهُمْ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِينَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَى التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْحَمَّالِينَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ أَحَدُهُمْ الْجَوَالِقَ وَيَأْخُذَ الثَّانِي فَمَهَا وَيَحْمِلَهَا الثَّالِثُ إلَى بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ.

قَالَ: فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ شَرِكَةَ الْحَمَّالِينَ صَحِيحَةٌ إذَا اشْتَرَكُوا فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا اهـ أَيْ وَهُنَا لَمْ يُذْكَرْ التَّقَبُّلُ أَصْلًا، بَلْ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ مُقَيَّدًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّقَبُّلِ مِنْهُمَا مَعًا؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَعْمَلَ الْآخَر أَوْ يَتَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا وَيَقْطَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْآخَرِ لِلْخِيَاطَةِ بِالنِّصْفِ جَازَ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، لَكِنْ مِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَوْ تَقَبَّلَ جَازَ، فَلَوْ شُرِطَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السُّكُوتِ جُعِلَ إثْبَاتُهَا اقْتِضَاءً وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ النَّفْيِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ.

قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ عَدَم نَفْيِ التَّقَبُّلِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا التَّنْصِيصُ عَلَى تَقَبُّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا عَلَى عَمَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا وَيَعْمَلَ الْآخَرُ بِلَا نَفْيٍ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّقَبُّلُ وَالْعَمَلُ لِتَضَمُّنِ الشَّرِكَةِ الْوَكَالَةَ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهَا أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّوْكِيلُ بِهِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ صَنْعَةٍ وَمَكَانٍ) تَفْرِيعُ الْأَوَّلِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَكَانِ.

وَوَجْهُ عَدَمِ اللُّزُومِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي دَكَاكِينَ أَوْ دُكَّانٍ، وَكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْ أَجْنَاسٍ أَوْ جِنْسٍ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) أَيْ مَحَلُّهَا كَالثِّيَابِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْعَمَلَ عَرْضٌ لَا يَقْبَلُ الْقَبُولَ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَعَلِمْت أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى تَقَبُّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَلَى عَمَلِهِ غَيْرُ شَرْطٍ.

وَفِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ، وَلِذَا قَالُوا: مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلُ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتُ وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ الْقِصَارَةِ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي بَيْتِ هَذَا وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا جَازَ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَسَدَتْ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَدَاءِ اهـ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ مَسَائِلُ سَتَأْتِي فِي الْفَصْلِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهَا) أَيْ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ.

وَزَادَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ حَلَالًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَمَلٍ حَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْأَجْرِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) الْأَوْلَى وَمِنْهَا أَيْ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَكَذَا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ شَرِكَةِ دَلَّالِينَ) فَإِنَّ عَمَلَ الدَّلَالَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَلَّالًا يَبِيعُ لَهُ أَوْ يَشْتَرِي فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَجَلًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْمُجْتَبَى ح (قَوْلُهُ: وَمُغَنِّينَ) ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ ح (قَوْلُهُ: وَشُهُودِ مَحَاكِمَ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الشَّهَادَةِ ح (قَوْلُهُ: وَقُرَّاءِ مَجَالِسَ وَتَعَازٍ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُغَايِرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ثُمَّ زَايٌ جَمْعُ تَعْزِيَةٍ: وَهِيَ الْمَأْتَمُ بِالْهَمْزَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْأَمْوَاتِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْقِرَاءَةُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّمْطِيطِ وَعَلَى قَطْعِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ وَالِابْتِدَاءِ مِنْ أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>