للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ وَإِلَّا لَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكَمَا فِي قِنٍّ وَزَرْعٍ وَدَابَّةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي كَمَا فِي سُفْلٍ انْهَدَمَ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، فَذُو الْعُلْوِ مُضْطَرٌّ إلَى الْبِنَاءِ وَصَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ، فَإِذَا أَنْفَقَ ذُو الْعُلْوِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَمِثْلُهُ الْحَائِطُ الْمُنْهَدِمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةُ الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرِيدُ الْإِنْفَاقِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَكَانَ صَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ كَدَارٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَامْتَنَعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخَرُ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَسِّمَ حِصَّتَهُ وَيُعَمِّرَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالِاضْطِرَارِ كَمَا قُلْنَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ.

وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لَا فِيمَا يُجْبَرُ، فَفِي الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لَا فِي الثَّانِي لَوْ فَعَلَهُ بِلَا إذْنٍ، وَهَذَا يُخَلِّصُك عَنْ الِاضْطِرَابِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ، هَذَا.

وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: حَمَّامٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ دُولَابٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا تَفُوتُ بِقِسْمَتِهِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ احْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا.

قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي لِيَرُمَّهَا بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَأْذَنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْإِجَارَةِ وَيَأْخُذُ الْمَرَمَّةَ مِنْهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْقَاضِيَ يَأْذَنُ لِغَيْرِ الْآبِي بِالْإِنْفَاقِ ثُمَّ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حِصَّتَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.

قُلْت: وَهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ ثُمَّ امْتَنَعَ تَعَنُّتًا أَوْ عَجْزًا يَأْذَنُ الْقَاضِي لِلْمُضْطَرِّ لِيَرْجِعَ بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. اهـ.

وَنُقِلَ هَذَا الْحُكْمُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ انْهِدَامِ السُّفْلِ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ وَالسُّفْلِ أَمَّا مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا لَا يُقْسَمُ لَا بُدَّ فِيهِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي كَمَا عَلِمْت خِلَافًا لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ.

وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي قِسْمَةِ الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ فِي عَقَارٍ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالطَّاحُونِ وَالْحَمَّامِ إذَا احْتَاجَ إلَى مَرَمَّةٍ وَأَنْفَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِهِ، أَجَابَ: لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَجَعَلَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: طَاحُونَةٌ لَهُمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا إذْ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِهِ اهـ فَرَاجِعْ كُتُبَ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ تَحَيُّرٌ وَاضْطِرَابٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: مَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْفَضْلِيِّ قَالَ عَقِبَهُ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى تَفْصِيلٍ قَدَّمْته. اهـ.

قُلْت: أَرَادَ بِالتَّفْصِيلِ مَا مَرَّ مِنْ إنَاطَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ فِي الطَّاحُونِ يُجْبَرُ لِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعَمِّرُ بِلَا إذْنِهِ وَبِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْفَضْلِيِّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّفْلِ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِعَيْنِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُجْبَرُ فِيهَا الشَّرِيكُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُعَمِّرُ وَإِنْ عَمَّرَ بِلَا إذْنِهِ كَمَا عَلِمْت وَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا مَسْأَلَةُ الطَّاحُونِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>