قُلْت: بَلْ وَرُدَّ الْأَمْرُ لِلْقُضَاةِ بِالْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَيُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَفَ كُرًّا عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ لِمَنْ لَا بَذْرَ لَهُ لِيَزْرَعَهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَدْرَكَ أَخَذَ مِقْدَارَهُ ثُمَّ أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ وَهَكَذَا جَازَ خُلَاصَةٌ، وَفِيهَا: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ سَمْنِهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ اعْتَادُوا ذَلِكَ رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ (وَقِدْرٍ وَجِنَازَةٍ) وَثِيَابِهَا وَمُصْحَفٍ وَكُتُبٍ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ لِحَدِيثِ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَثِيَابٍ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت وَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ بَدَلُهَا قَائِمٌ مَقَامَهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا، فَكَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْقُولِ، فَحَيْثُ جَرَى فِيهَا تَعَامُلٌ دَخَلَتْ فِيمَا أَجَازَهُ مُحَمَّدٌ وَلِهَذَا لَمَّا مَثَّلَ مُحَمَّدٌ بِأَشْيَاءَ جَرَى فِيهَا التَّعَامُلُ فِي زَمَانِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ زَادُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَمَّا رَأَوْا جَرَيَانَ التَّعَامُلِ فِيهَا، وَذَكَرَ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ وَمَسْأَلَةَ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ حَيْثُ قَالَ: فَفِي الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ لِمُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُوجَدُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرِضُ لِغَيْرِهِمْ بِهَذَا الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دُومَاوَنْدَ اهـ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ وَإِنَّمَا خَصُّوهَا بِالنَّقْلِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَارَفَةً إذْ ذَاكَ؛ ولِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهَا ابْتِدَاءً قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ أَيْ وَقْفُ الْحِنْطَةِ فِي الْأَقْطَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَارُفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. نَعَمْ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ تُعُورِفَ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَكِيلٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً) وَكَذَا يُفْعَلُ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ الرِّبْحِ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ بِرِبْحِهَا، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَكِيلِ (قَوْلُهُ: وَجِنَازَةٍ) بِالْكَسْرِ النَّعْشُ وَثِيَابُهَا مَا يُغَطَّى بِهِ الْمَيِّتُ وَهُوَ فِي النَّعْشِ ط.
مَطْلَبٌ فِي التَّعَامُلِ وَالْعُرْفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ التَّأْبِيدَ، وَالْمَنْقُولُ لَا يَدُومُ وَالتَّعَامُلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّحْرِيرِ، هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَفِي شَرْح الْبِيرِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [نَشْرُ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ] وَظَاهِرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْحَادِثِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ جَرَى التَّعَامُلُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي الْمَوْضِعِ، أَوْ زَمَانُ الَّذِي اُشْتُهِرَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَوَقْفُ الدَّرَاهِمِ مُتَعَارَفٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ دُونَ بِلَادِنَا وَقْفُ الْفَأْسِ وَالْقَدُومِ كَانَ مُتَعَارَفًا فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْآنَ وَلَئِنْ وُجِدَ نَادِرًا لَا يُعْتَبَرُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّعَامُلَ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَتَأَمَّلَ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، وَوَهَمَ مَنْ عَزَاهُ لِلْمُسْنَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute