للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَعَكْسِهِ) أَيْ كَجَوَازِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ.

وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضَ وَالدَّوَابُّ زَيْلَعِيٌّ

(كَمَا جَازَ جَعْلُ) الْإِمَامِ (الطَّرِيقَ مَسْجِدًا لَا عَكْسُهُ)

ــ

[رد المحتار]

لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْهُ كَمَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ مَا أُلْحِقَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ نَعَمْ تَحَرِّي الْأَوَّلِ أَوْلَى اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ وَهَذَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ) لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي جَوَامِعِنَا.

نَعَمْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْمُرُورَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا، وَأَنْ يَدْخُلَهُ بِلَا طَهَارَةٍ اهـ. نَعَمْ يُوجَدُ فِي أَطْرَافِ صَحْنِ الْجَوَامِعِ رِوَاقَاتٌ مَسْقُوفَةٌ لِلْمَشْيِ فِيهَا وَقْتَ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْجَامِعِ لَا لِمُرُورِ الْمَارِّينَ مُطْلَقًا كَالطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَمَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ يَمُرُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَطْ لِيَكُونَ بَعِيدًا عَنْ الْمُصَلِّينَ؛ وَلِيَكُونَ أَعْظَمَ حُرْمَةً لِمَحَلِّ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى الْكَافِرُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ غَايَةً هُنَا. قُلْت: فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِي دُخُولِهِ لِغَيْرِ مُهِمَّةٍ بَأْسًا وَبِهِ يُتَّجَهُ مَا هُنَا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ فِي اتِّخَاذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا، وَهَذَا فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ ظَاهِرٌ فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِ الطُّرُقِ مَسْجِدًا الْإِبْطَالُ حَقُّ الْعَامَّةِ مِنْ الْمُرُورِ الْمُعْتَادِ لِدَوَابِّهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ بِهِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرَادَ بَعْضُ الطَّرِيقِ لَا كُلُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ مَا إذَا كَانَ لِمَقْصِدٍ طَرِيقَانِ، وَاحْتَاجَ الْعَامَّةُ إلَى مَسْجِدٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ أَحَدِهِمْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَفِيهِ نَوْعُ مُدَافَعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

قُلْت: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ تَابَعَ صَاحِبَ الدُّرَرِ مَعَ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ أَوَّلًا جَعَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا وَمِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا جَازَ ثُمَّ رَمَزَ لِكِتَابٍ آخَرَ، لَوْ جَعَلَ الطَّرِيقَ مَسْجِدًا يَجُوزُ لَا جَعْلُ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَجَازَ جَعْلُهُ مَسْجِدًا، وَلَا يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ طَرِيقًا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي جَعْلِ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا وَالْمَسْجِدُ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى بَعْضِهِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ كُلَّهَا لِلْعَامَّةِ اهـ وَالْمُتُونُ عَلَى الثَّانِي، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ فِي جَعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ طَرِيقًا، وَأَمَّا جَعْلُ كُلِّ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ رَحْبَةً وَالرَّحْبَةَ مَسْجِدًا أَوْ يَتَّخِذُوا لَهُ بَابًا أَوْ يُحَوِّلُوا بَابَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَأَبَى الْبَعْضُ ذَلِكَ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ أَكْثَرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ مَنْعُهُ. اهـ.

قُلْت وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ سَاحَتُهُ، فَهَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ جَعْلَ بَعْضِهِ رَحْبَةً فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جَعْلَ كُلِّهِ فَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْوِيلُهُ بِجَعْلِ الرَّحْبَةِ مَسْجِدًا بَدَلَهُ بِخِلَافِ جَعْلِهِ طَرِيقًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ أَوَّلًا بِالْبَانِي، وَثَانِيًا بِالْإِمَامِ غَيْرُ قَيْدٍ نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي مَسْجِدٍ ضَاقَ بِأَهْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>