أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ نَهْرٌ بَحْثًا
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي تَوْلِيَةِ الصَّبِيِّ وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ لَا حُرِّيَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ لَوْ أَوْصَى إلَى الصَّبِيِّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِذَا كَبِرَ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانُهُ لِأَهْلِيَّةٍ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ الْمَوْقُوفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى يَنْفُذُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ثُمَّ الذِّمِّيُّ فِي الْحُكْمِ كَالْعَبْدِ فَلَوْ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ إلَيْهِمَا. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي النَّهْرِ.
وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّلَبِيِّ: وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ وَقْفِ هِلَالٍ لَهُ قَالَ: وِلَايَتُهَا إلَى وَلَدِي وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ يُدْخِلُ الْقَاضِي مَكَانَ الصَّغِيرِ رَجُلًا وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ الْكِبَارَ مَقَامَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ بِهَذِهِ النُّقُولِ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَصْلُحُ نَاظِرًا وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصْلُحُ وَصِيًّا وَنَاظِرًا وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَكَانَهُ بَالِغًا إلَى بُلُوغِهِ كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ الْوَصَايَا اهـ فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَنْظُومَةِ قَوْلَهُ وَنَاظِرًا ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الْأَشْبَاهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ عَنْ الْمُجْتَبَى. مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لِلصَّبِيِّ صَحَّ اسْتِحْسَانًا فَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ فِي الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ فِي وَقْفِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنْ اسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ إذَا كَبِرَ. اهـ. وَهَذَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ نَعَمْ رَأَيْت فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي: إذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ وَتَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الصَّبِيَّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ اهـ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْقَاضِي إذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِلصَّغِيرِ
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِصَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ وَحُكْمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ ذَلِكَ خَطَأٌ مَحْضٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ تَوْلِيَةَ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إذَا وُلِّيَ بَالِغٌ عَاقِلٌ رَشِيدٌ وَكَانَ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ أَرْشَدُ مِنْهُ لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ طِفْلًا لَا يَعْقِلُ، وَثَمَّ بَالِغٌ رَشِيدٌ إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ خَبَرَ الْأَبِ لِابْنِهِ لَا يُفِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِعْطَاءِ الْوَظَائِفِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ كَيْفَ وَلَوْ أَوْصَى الْوَاقِفُ بِالتَّوْلِيَةِ لِابْنِهِ لَا تَصِحُّ مَا دَامَ صَغِيرًا حَتَّى يَكْبَرَ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْأَرْشَدَ إذَا فُوِّضَ، وَأُسْنِدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِمَنْ أَرَادَ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُخْتَارَ الْأَرْشَدِ أَرْشَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الرُّشْدَ فِي أُمُورِ الْوَقْفِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالرَّشِيدِ لَا تَحْصُلُ لَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَهُ كَمَا لَا يَصِيرُ الْجَاهِلُ عَالِمًا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الْغَيْرِ لَهُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ، وَكُلُّ هَذِهِ أُمُورٌ نَاشِئَةٌ عَنْ جَهْلٍ وَاتِّبَاعِ الْعَادَةِ الْمُخَالِفَةِ لِصَرِيحِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ الْمُخْتَارِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ) لِأَنَّهُ اُسْتُقْرِئَ مِنْ أَحْوَالِ مُتَعَاطِيهَا أَنَّهَا تَسْتَجِرُّهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ بِهَذَا السَّبَبِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجُرَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute