وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ بَحْرٌ
(وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ) كَقَوْلِهِمْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا (مِنْ أَصْلِهِ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ (وَبَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ) وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ.
قُلْت: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي الدَّفْتَرِ السُّلْطَانِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَطِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي جَهْلِ الشَّرَائِطِ كَمَا عَلِمْت إذْ عِنْدَ عِلْمِهَا لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا فَالْكَلَامُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا أَعَمُّ فَكَلَامُ الْكَمَالِ أَتَمُّ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَصْرِفِ بِالتَّسَامُعِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِهِ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ذَكَرُوا الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَقْفِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذِكْرِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفُصُولَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا، فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ. وَحَمَلَ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَصْلُهُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ فَادُّعِيَ جِهَةٌ غَيْرُهَا، وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وَجَازَتْ إذْ قَدَّمَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُ مُسْتَحَقِّيهِ) مُبْتَدَأٌ أَوْ مُضَافٌ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَكَذَا بَعْضُ نُظَّارِ الْوَقْفِ لِمَا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى قَرَابَتِهِ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْوَاقِفُ حَيٌّ فَهُوَ خَصْمُهُ وَإِلَّا فَالْقَيِّمُ وَلَوْ مُتَعَدِّدًا وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَلَا يَكُونُ خَصْمًا وَارِثُ الْمَيِّتِ، وَلَا أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهِمْ فِيمَا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ) فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute