للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ فَيُعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ غَايَرَ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ

ــ

[رد المحتار]

إحْيَاءُ وَقْفِهِ لَا لَوْ اخْتَلَفَ، أَوْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا وَعَيَّنَ لِكُلٍّ وَقْفًا وَفَضَلَ مِنْ غَلَّةِ أَحَدِهِمَا لَا يُبَدَّلُ شَرْطُهُ. مَطْلَبٌ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ

(قَوْلُهُ: وَنَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِبِّيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَاَلَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ يَنْبُوعِ السُّيُوطِيّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَظَائِفَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ مَا نَصُّهُ، وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمَ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، وَمُخَالَفَةُ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ أَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَشْرَفِ بِرِسْبَاي أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا وَقْفًا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ جَوَازَهُ وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا اهـ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِيمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِبِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ اشْتَرَى الْأَرَاضِيَ وَالْمَزَارِعَ، مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرَائِطِهِ، وَإِنْ وَقَفَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. اهـ. ط.

قُلْت: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ إلَخْ أَنَّهُ يُرَاعَى شُرُوطُهُ إذَا ثَبَتَ النَّاقِلُ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَاقِفِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ إقْطَاعِ رَقَبَةٍ بِأَنْ كَانَتْ مَوَاتًا لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا فَأَقْطَعَهَا السُّلْطَانُ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّاقِلِ فَلَا لِأَنَّهَا بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا عَلَى مَا كَانَتْ فَيَكُونُ وَقْفُهَا أَرْصَادًا وَهُوَ مَا يُفْرِزُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُعَيِّنُهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُصُولُ الْمُسْتَحِقِّ إلَى حَقِّهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ إنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ اهـ

قُلْت: وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ مُرَاعَاةِ شَرْطِهَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَيَنْقُصَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا عَنْ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ يَقْطَعَ وَظَائِفَ الْعُلَمَاءِ، وَيَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُمْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِمْ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ وَلَا يُقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَوْقَافُ غَيْرِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ بَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهِمْ لِأَنَّ أَوْقَافَهُمْ كَانَتْ أَمْلَاكًا لَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>