لِقُصُورِ عَقْلٍ وَضَعْفِ مَثَانَةٍ عَيْبٌ، وَفِي الْكِبَرِ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ وَدَاءٍ بَاطِنٍ عَيْبٌ آخَرُ، فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَةِ بِأَنْ ثَبَتَ إبَاقُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ ثُمَّ مُشْتَرِيهِ كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ لَهُ الرَّدُّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَا لِكَوْنِهِ عَيْبًا حَادِثًا كَعَبْدٍ حُمَّ عِنْدَ بَائِعِهِ ثُمَّ حُمَّ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ، إنْ مِنْ نَوْعِهِ لَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا لَا عَيْنِيٌّ.
بَقِيَ لَوْ وَجَدَهُ يَبُولُ ثُمَّ تَعَيَّبَ حَتَّى رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ بَلَغَ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ يَنْبَغِي نَعَمْ فَتْحٌ.
(وَالْجُنُونِ) هُوَ اخْتِلَافُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ تَلْوِيحٌ، وَبِهِ عُلِمَ تَعْرِيفُ الْعَقْلِ أَنَّهُ الْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ دُرَرٌ (وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ، وَقِيلَ يَخْتَلِفُ عَيْنِيٌّ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لِقُصُورِ عَقْلٍ) يَرْجِعُ إلَى الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا أَيْضًا ط (قَوْلُهُ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَةِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِلَافِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا (قَوْلُهُ بِأَنْ ثَبَتَ إبَاقُهُ) أَيْ أَوْ بَوْلُهُ أَوْ سَرِقَتُهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ) أَوْ عِنْدَ بَائِعِ بَائِعِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مُشْتَرِيهِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعُدْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يُرَدُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ مِنْ نَوْعِهِ) بِأَنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ لَوْ وَجَدَهُ يَبُولُ) أَيْ وَهُوَ صَغِيرٌ وَثَبَتَ بَوْلُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ حَتَّى رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ نُقْصَانِ الْبَوْلِ،؛ لِأَنَّهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ امْتَنَعَ الرَّدُّ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ أَرَادَ الرَّدَّ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالُوا: إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ. اهـ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ ذَلِكَ بِمَا إذَا زَالَ الْعَيْبُ بِلَا عِلَاجِهِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي نَعَمْ) نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ عَنْ وَالِدِ صَاحِبِ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ فَلَوْ أَبَانَهَا زَوْجُهَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يَسْتَرِدُّ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَاوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ. اهـ
(قَوْلُهُ تَلْوِيحٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي التَّلْوِيحِ: الْجُنُونُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ انْتَهَى. وَالْأَخْصَرُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْأَخْصَرُ إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى وَاحِدٌ، فَمَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى التَّلْوِيحِ نُقِلَ بِالْمَعْنَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ إلَخْ) سُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَعْدِنِ الْعَقْلِ، فَقَالَ: الْقَلْبُ، وَإِشْرَاقُهُ إلَى الدِّمَاغِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْحُكَمَاءُ، وَقَوْلُهُ عَلِيٌّ أَعْلَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِنْ بِشَرْحِ بَدْءِ الْأَمَالِي لِلْقَارِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْجُنُونِ فِي حَالَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ: أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا، لَا مَا قِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ لِلْجُنُونِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ بِإِزَالَةِ سَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ، فَإِذَا لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ الْإِزَالَةِ، فَلَا يُرَدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ) فَيَكُونُ مِثْلَ مَا مَرَّ مِنْ الْإِبَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute