عَنْوَنَ بِهِ لِكَثْرَتِهِ وَأَصَالَتِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ: حَيْضٌ، وَنِفَاسٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ. (هُوَ) لُغَةً: السَّيَلَانُ. وَشَرْعًا: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ: مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ (دَمٌ مِنْ رَحِمٍ) خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ، وَمِنْهُ مَا تَرَاهُ صَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ وَمُشْكِلٌ (لَا لِوِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ. وَسَبَبُهُ ابْتِدَاءُ ابْتِلَاءِ اللَّهِ لِحَوَّاءَ لِأَكْلِ الشَّجَرَةِ.
وَرُكْنُهُ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ. وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ نِصَابِ الطُّهْرِ وَلَوْ حُكْمًا، وَعَدَمُ نَقْصِهِ عَنْ أَقَلِّهِ وَأَوَانُهُ بَعْدَ التِّسْعِ.
وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ بِالْبُرُوزِ، فِيهِ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ، وَالْحَيْضُ دَمُ صِحَّةٍ شُمُنِّيٌّ.
وَ (أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ بِلَيَالِيِهَا) الثَّلَاثِ، فَالْإِضَافَةُ لِبَيَانِ الْعَدَدِ الْمُقَدَّرِ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ لَا لِلِاخْتِصَاصِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا لَيَالِيَ تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةٌ) بِعَشْرِ لَيَالٍ، كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.
ــ
[رد المحتار]
وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا، فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّقُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَسَبَبِهِ، وَرُكْنِهِ، وَشَرْطِهِ، وَقَدْرِهِ، وَأَلْوَانِهِ، وَأَوَانِهِ، وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَنْوَنَ بِهِ) أَيْ جَعَلَ الْحَيْضَ عُنْوَانًا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا ط (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخَوَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَصَالَتِهِ) أَيْ وَلِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَصْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ الْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ عَنْوَنَ بِهِ وَحْدَهُ لِمَا ذُكِرَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ غَيْرِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ الدِّمَاءَ الْمَبْحُوثَ عَنْهَا هُنَا ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَخَصَّ مَا عَدَاهُمَا بِالِاسْتِحَاضَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ سَمَّى مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ دَمَ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةً (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ) يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي: إذَا سَالَ، وَسُمِّيَ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ) أَيْ إنَّ مُسَمَّاهُ الْحَدَثُ الْكَائِنُ مِنْ الدَّمِ كَالْجَنَابَةِ اسْمٌ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَانِعَةٌ عَمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَعَنْ الصَّوْمِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقُرْبَانِ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمُتُونِ اخْتِيَارُهُ، قِيلَ وَلَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ دَمٌ) شَمِلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ بَحْرٌ: أَيْ كَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُسَمَّى الْمَرْأَةُ حَائِضًا فِي غَيْرِ وَقْتِ دُرُورِ الدَّمِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ وِعَاءُ الْوَلَدِ لَا الْفَرْجُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. وَخَرَجَ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَإِنْ نُدِبَ إمْسَاكُ زَوْجِهَا عَنْهَا وَاغْتِسَالُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ رَحِمِ غَيْرِ الْآدَمِيَّةِ كَالْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ وَالْخُفَّاشِ، قَالُوا: وَلَا يَحِيضُ غَيْرُهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ نَهْرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ رَحِمِ امْرَأَةٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِإِخْرَاجِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِهَا دَمًا ط (قَوْلُهُ صَغِيرَةٌ) هِيَ كَمَا يَأْتِي: مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ وَآيِسَةٌ) سَيَأْتِي بَيَانُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ وَمُشْكِلٌ) أَيْ خُنْثَى مُشْكِلٌ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ. اهـ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَيَشْتَبِهُ بِالِاسْتِحَاضَةِ. اهـ ح، وَهَلْ اعْتِبَارُهُ فِي زَوَالِ الْإِشْكَالِ أَوْ فِي لُزُومِ الْغُسْلِ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى الذُّكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَعَلَى الثَّانِي فَوَجْهُ تَسْمِيَةِ الشَّارِحِ هَذَا الدَّمَ اسْتِحَاضَةً ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ابْتِلَاءُ اللَّهِ لِحَوَّاءَ إلَخْ) أَيْ وَبَقِيَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا قِيلَ: إنَّهُ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَدْ رَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute