وَفِيهَا: رَدُّ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ، الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الرَّدِّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَجَازَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَرَى عَبْدًا فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ عُيُوبَهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ، وَضَمِنَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُيُوبِ، وَإِنْ ضَمِنَ السَّرِقَةَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ أَوْ الْجُنُونَ أَوْ الْعَمَى فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ الثَّمَنَ.
ــ
[رد المحتار]
بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْجِبَايَاتُ الْمُوَظَّفَةُ عَلَى النَّاسِ بِبِلَادِ فَارِسَ عَلَى الضِّيَاعِ وَغَيْرِهَا لِلسُّلْطَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا ظُلْمٌ بِيرِيٌّ. وَنَقَلَ قَبْلَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ جُعْلِ الْعَوَانِ (قَوْلُهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ إلَخْ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَوَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَرُدَّ بِعَيْبٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالشُّفْعَةُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ
قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ أَحَالَ غَرِيمًا عَلَى الْمُشْتَرِي حَوَالَةً مُقَدَّرَةً بِالثَّمَنِ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى سَقَطَ الثَّمَنُ أَوْ رُدَّ الْعَبْدُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ خِيَارِ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ مُتَعَلِّقَةً بِمِثْلِ مَا أُضِيفَتْ الْحَوَالَةُ إلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنِ ذَلِكَ الدِّينِ وَتُعْتَبَرُ مُطْلَقَةً إذَا ظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الْحَوَالَةِ، وَقَيَّدَ بِمَا إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ثُمَّ رُدَّ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ بِيرِيٌّ.
قُلْت: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَحَالَ الْبَائِعَ عَلَى آخَرَ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْحَوَالَةِ بِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا الْمُطَالَبَةُ مَعَ أَنَّ الْمُقَيَّدَةَ هُنَا بَقِيَتْ، وَالْمُطْلَقَةَ بَطَلَتْ، لَكِنَّ بَقَاءَ الْمُقَيَّدَةِ هُنَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا عَلِمْت وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهَا إذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ الْمَالِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ هُنَا، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْمُطْلَقَةُ هُنَا لِبُطْلَانِ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمُحْتَالِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ الْمُطْلَقَةُ بِبُطْلَانِ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) أَمَّا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ ط، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَنْقُولَ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاقِيًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مِنْ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ بَيْعُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ وَكَانَ مَنْقُولًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْعَقَارِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ) وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُنَا لَمَّا ضَمِنَ عُيُوبَهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُدَاوِيهِ مِنْهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ النُّقْصَانَ أَوْ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ فَلِذَا كَانَ الضَّمَانُ فَاسِدًا ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُيُوبِ) أَيْ وَهُوَ عِنْدَهُ ضَمَانُ الدَّرْكِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ ط (قَوْلُهُ ضَمِنَ الثَّمَنَ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ مَاتَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَضَى عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الضَّامِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute