وَكُلُّ مَا أَوْرَثَ خَلَلًا فِي رُكْنِ الْبَيْعِ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ فَمُفْسِدٌ
(بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) وَالْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ دُرَرٌ،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ لِبَيْعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُسْتَصْفَى جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ نَوْعَانِ: صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ. وَالصَّحِيحُ نَوْعَانِ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ نَهْرٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: بَاطِلٌ، وَفَاسِدٌ، وَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَقَدْ مَرَّتْ. وَمَا لَا نَهْيَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: نَافِذٌ لَازِمٌ، وَنَافِذٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمَوْقُوفٌ فَالْأَوَّلُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا خِيَارَ فِيهِ. وَالثَّانِي مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَفِيهِ خِيَارٌ. وَالْمَوْقُوفُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَحَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ. قُلْت: بَلْ أَوْصَلَهُ فِي النَّهْرِ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْمَوْقُوفُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَقُّ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَتَوَقُّفِ مَا فِيهِ خِيَارٌ عَلَى إسْقَاطِهِ اهـ.
قُلْت: يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْهَزْلِ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي رُكْنِ الْبَيْعِ) هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، بِأَنْ كَانَ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِي مَحَلِّهِ أَعْنِي لِمَبِيعٍ، فَإِنَّ الْخَلَلَ فِيهِ مُبْطِلٌ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا أَوْ حُرًّا أَوْ خَمْرًا كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الرُّكْنِ وَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَكُونَ خَمْرًا مَثَلًا أَوْ بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيهِ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا لِسَلَامَةِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ عَنْ الْخَلَلِ كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْوَصْفَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ.
[تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ: ثُمَّ الضَّابِطُ فِي تَمْيِيزِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَاطِلِ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا فِي دِينٍ سَمَاوِيٍّ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ، وَكَذَا الْبَيْعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ مَالًا دُونَ الْبَعْضِ إنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَبَيْعُ الْعَبْدِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخَمْرِ بِالْعَبْدِ فَاسِدٌ، وَإِنْ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَبَيْعُ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالْخَمْرِ بَاطِلٌ اهـ. قُلْت: وَهَذَا الضَّابِطُ يَرْجِعُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ فَقَطْ، وَمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ الرُّكْنُ وَالْمَحَلُّ فَهُوَ أَعَمُّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالْبَيْعُ بِهِ فَإِنَّ مَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ إذَا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا، أَمَّا لَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَبَيْعُهُ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْته مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ وَلِذَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ.
مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَالْمَالُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ فَهِيَ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَبَطَلَ بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُتَقَوِّمَ هُوَ الْمَالُ الْمُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute