كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ مَطَرٍ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ عَيْنِيٌّ
(أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا) أَيْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ (ذِمِّيًّا أَوْ) أَمَرَ (الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُحْرِمِ (بِبَيْعِ صَيْدِهِ) يَعْنِي صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ أَشَدِّ كَرَاهَةٍ كَمَا صَحَّ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ.
وَقَالَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ
ــ
[رد المحتار]
إبْطَالِ الْأَجَلِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إجْمَاعًا، وَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ الْمُتَفَاوِتَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إجْمَاعًا مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي أَوَّلِ السَّلَمِ. قُلْت: ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ مُطْلَقًا، وَقَدْ بَيَّنْت أَنَّ إسْقَاطَ كُلِّ وَاحِدٍ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتٍ عَلَى حِدَةٍ. اهـ مَا فِي الْحَقَائِقِ، وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَرَأَيْته مَنْقُولًا أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اعْتِبَارَ إبْطَالِ الْأَجَلِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ الْمُتَفَاوِتِ، أَيْ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً لَا فِي الْمَجْهُولِ الْمُتَقَارِبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِيهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ تَابَعَ ابْنَ مَلَكٍ وَأَنَّ نُسْخَةَ الْحَقَائِقِ الَّتِي نَقَلَ مِنْهَا ابْنُ مَلَكٍ فِيهَا سَقْطٌ وَتَبِعَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. [تَنْبِيهٌ] قَوْلُ الْحَقَائِقِ: الثَّمَنُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا فِي التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْفَاسِدَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَمْ يَجُزْ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ النُّقُولِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلِأَنَّ الْعَيْنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ أَبْطَلَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى كَفَلَ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَفَلَ ط (قَوْلُهُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ مَمْلُوكَيْنِ لَهُ بِأَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُزِيلَهُمَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي صَحَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّوْكِيلُ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ وَشِرَاؤُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَعَ أَشَدِّ كَرَاهَةٍ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا وَيُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا نَهْرٌ وَغَيْرُهُ، وَانْظُرْ لَمْ يَقُولُوا وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ مَعَ أَنَّ تَسْيِيبَ السَّوَائِبِ لَا يَحِلُّ (قَوْلُهُ كَمَا صَحَّ مَا مَرَّ) وَهُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مِنَحٌ أَيْ الْكَفَالَةُ وَإِسْقَاطُ الْأَجَلِ. وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ أَمَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَفَلَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا شَرْعًا فَلَا مَانِعَ شَرْعًا مِنْ تَوَكُّلِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِانْتِقَالِ مَا ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ مِنْ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ كَثُبُوتِ الْمِلْكِ الْجَبْرِيِّ لَهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَصِحُّ) أَيْ يَبْطُلُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ، وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا فَبَقِيَ تَصَرُّفًا بِلَا فَائِدَةٍ فَلَا يُشْرَعُ مَعَ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ؟ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمَ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ طِيبِ الثَّمَنِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُبَاحُ الْأَصْلِ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَطِبْ ثَمَنُهُ؛ وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَهُ فَائِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهِيَ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ. اهـ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ إلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute