للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَقَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مَعْزِيًّا لِلدُّرَرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ يُورَثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُهُ فِي كِتَابِهِ مَعُونَةُ الْمُفْتِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي بَحْثِ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ مِنْ الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ التَّاسِعَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَتَأَمَّلْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مَتَى عَايَنَ مَا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ انْتَفَى الْغَرَرُ فَتَدَبَّرْ

ــ

[رد المحتار]

فِي حَقِّهِ التَّغْرِيرُ، هَلْ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ فِيهِ إلَى وَارِثِهِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّدَّ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ لَا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ عِنْدِي الثَّانِي وَقَوَاعِدُهُمْ شَاهِدَةٌ بِهِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الرَّدِّ لِلْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَارِثَ مَلَكَهُ سَلِيمًا فَإِذَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ رَدَّهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ، وَتَعْلِيلُهُمْ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً، فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ، وَهَكَذَا عَرَضْته عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَارْتَضَاهُ وَأَفْتَى بِمُوجَبِهِ اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ خِيَارَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَا يُورَثُ مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ إلَخْ مَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي مَجْمُوعَةِ السَّائِحَانِيِّ بِخَطِّهِ، وَأَجَادَ الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِدَفْعِ الْخِدَاعِ، فَإِذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ الْمَلْفُوظِ بِهِ لَا يُورَثُ فَكَيْفَ غَيْرُ الْمَلْفُوظِ مَعَ كَوْنُهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَاهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الدُّرَرِ، بَلْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ نَقَلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ خِيَارِ الْعَيْبِ يَعْنِي فَيُورَثُ اهـ. وَهَذَا خِلَافُ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى حَاشِيَةِ ابْنِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ وَافَقَ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَنَّهُ يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَشِرَاءِ عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ، وَقَالَ: إنَّهُ بِهِ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَكَانَ شَارِطًا لَهُ اقْتِضَاءً وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ فَبَانَ بِخِلَافٍ اهـ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَرْجِيحَ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَأَنَّهُ بِهِ أَشْبَهَ فَرَاجِعْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَى أَنَّهُ يُورَثُ) الْمُرَادُ بِالْإِرْثِ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخَلَفِيَّةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ حَقِيقَةً، كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلِمْت تَرْجِيحَ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: قُبَيْلَ التَّاسِعَةِ) صَوَابُهُ قُبَيْلَ الْعَاشِرَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ مَغْرُورًا) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمَيِّتُ إلَخْ.

قُلْت: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ وَطِئَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى بَائِعِ مُوَرِّثِهِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُوَرِّثُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالتَّغْرِيرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مُوَرِّثُهُ شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِتَغْرِيرِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخِيَارٍ فَهَذَا تَأْيِيدٌ بِمَا لَا يُفِيدُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ: انْتَفَى الْغَرَرُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَوِيقًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَتَّهُ بِمَنٍّ مِنْ السَّمْنِ، وَتَقَابَضَا وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَتَّهُ بِنِصْفِ مَنٍّ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى صَابُونًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ كَذَا جَرَّةٍ مِنْ الدُّهْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اتَّخَذَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي كَانَ يَنْظُرُ إلَى الصَّابُونِ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ ظَهِيرِيَّةٌ قُلْت: وَكَوْنُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>