للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُسْلِمٍ) مُسْتَأْمَنٍ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ قِمَارٍ (ثَمَّةَ) لِأَنَّ مَالَهُ ثَمَّةَ مُبَاحٌ فَيَحِلُّ بِرِضَاهُ مُطْلَقًا بِلَا غَدْرٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَالثَّلَاثَةِ.

(وَ) حُكْمِ (مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ كَحَرْبِيٍّ) فَلِلْمُسْلِمِ الرِّبَا مَعَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَلَوْ هَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ فَلَا رِبَا جَوْهَرَةٌ.

قُلْت: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَا ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرَا.

ــ

[رد المحتار]

الزَّائِدِ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ عَيْنُ الرِّبَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُسْلِمٍ مُسْتَأْمَنٍ) اُحْتُرِزَ بِالْحَرْبِيِّ عَنْ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ وَالذِّمِّيِّ، وَكَذَا عَنْ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُرَابِيَ مَعَهُ اتِّفَاقًا كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا غَلَطٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُجْتَبَى مُسْتَأْمَنٌ مِنَّا بَاشَرَ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَرَاهِمَ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ شَيْئًا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ جَوَازُ الرِّبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ ذِمِّيٍّ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْته مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى هَكَذَا مُسْتَأْمَنٌ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِهِمْ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ بَاشَرَ مَعَهُمْ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إلَخْ وَهِيَ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَمَا فِي الْبَحْرِ تَحْرِيفٌ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ مُسْتَأْمَنٍ) مِثْلُهُ الْأَسِيرُ لَكِنْ لَهُ أَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ بِلَا رِضَاهُمْ كَمَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الرِّبَا بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ كَبَيْعٍ بِشَرْطٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، وَأَعَمُّ مِنْهُ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى الْمَذْكُورَةُ وَكَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَكَذَا إذَا تَبَايَعَا فِيهَا بَيْعًا فَاسِدًا (قَوْلُهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَبَاعَ مِنْهُ مُسْلِمٌ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا ط عَنْ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَهُ ثَمَّةَ مُبَاحٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي حِلَّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَنَالُهَا الْمُسْلِمُ، وَالرِّبَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ إذْ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الدِّرْهَمَانِ أَيْ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ وَمِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ. وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ بِالْحِلِّ عَامٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا الْقِمَارُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ مَالُ الْخَطَرِ لِلْكَافِرِ بِأَنْ يَكُونَ الْغَلَبُ لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِقَيْدِ نَيْلِ الْمُسْلِمِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ أَلْزَمَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرْسِ أَنَّ مُرَادَهُمْ فِي حِلِّ الرِّبَا وَالْقِمَارِ مَا إذَا حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُسْلِمِ نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ.

قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الْمُبَاحَ عَلَى وَجْهٍ عَرَى عَنْ الْغَدْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ طَيِّبًا لَهُ وَالْأَسِيرُ وَالْمُسْتَأْمَنُ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ بَاعَهُمْ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بَاعَهُمْ مَيْتَةً بِدَرَاهِمَ أَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْقِمَارِ فَذَلِكَ كُلُّهُ طَيِّبٌ لَهُ أهـ مُلَخَّصًا.

فَانْظُرْ كَيْفَ جُعِلَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخْذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِرِضَاهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرِّبَا وَالْقِمَارِ فِي كَلَامِهِمْ مَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ غَالِبًا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ط (قَوْلُهُ بِلَا غَدْرٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ، فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَهَذَا الْقَيْدُ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بِرِضَاهُمْ لَا غَدْرَ فِيهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَخِلَافُهُ فِي الْمُسْتَأْمَنِ دُونَ الْأَسِيرِ (قَوْلُهُ وَالثَّلَاثَةِ) أَيْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ) الْعِصْمَةُ الْحِفْظُ وَالْمَنْعُ، وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْعِصْمَةِ التَّقَوُّمَ أَيْ لَا تَقَوُّمَ لَهُ، فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَالتَّقَوُّمُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَعِنْدَهُمَا نَفْسُهُ وَمَالُهُ مَعْصُومَانِ مُتَقَوِّمَانِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا رِبَا اتِّفَاقًا) أَيْ لَا يَجُوزُ الرِّبَا مَعَهُ فَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>