وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقَ الصِّحَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْتَشِيَ وَلَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَمْتَثِلَ قَوْلَ أَحَدٍ وَلَا يَسْمَعَ خُصُومَةَ زَيْدٍ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَالشَّرْطُ (وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ) إلَّا إذَا شُرِطَ فِي الْحَوَالَةِ الْإِعْطَاءُ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ كَمَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِلْبَزَّازِيَّةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُحْتَالِ وَعْدٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَلْيُحَرَّرْ (وَالْوَكَالَةُ
ــ
[رد المحتار]
بِعَارِضِ جُنُونٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِثْلُهُ وَلَّيْتُك عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَرْكَبَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ وَلَا تَبْطُلُ إمْرَتُهُ بِهَذَا (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقَ الصِّحَّةِ) حَيْثُ قَالَ رَادًّا عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْعَزْلُ كَانَ إلْغَاءً لِلتَّأْبِيدِ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى الْغَايَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَالشَّرْطُ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَزَلَ، وَلَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ فِيمَا مَضَى: وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي خُصُومَةِ زَيْدٍ، وَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَفْصِلَ قَضِيَّتَهُ إنْ اعْتَرَاهُ قَضِيَّةٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهِ عَنْهَا أَيْضًا: لَوْ شَرَطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ اهـ.
قُلْت: وَإِنَّمَا صَحَّ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا صَحِيحًا، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَيَتَقَيَّدُ قَضَاؤُهُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ حَتَّى يَتَقَيَّدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالشَّخْصِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ) بِأَنْ قَالَ كَفَلْت غَرِيمَك عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا وَأَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيَّ عِنْدَ التَّوَى نَهْرٌ، يَعْنِي فَتَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ كَفَلْت بِهِ عَلَى أَنِّي مَتَى أَوْ كُلَّمَا طُولِبْت بِهِ فَلِي أَجَلُ شَهْرٍ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ مِنْ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى لَزِمَ التَّسْلِيمُ وَلَا يَكُونُ لِلْمُطَالَبَةِ الثَّانِيَةِ تَأْجِيلٌ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ مَقْدِسِيٌّ، وَلَعَلَّهُ أَلْغَى التَّكْرَارَ هُنَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ مُوجِبِ الْكَفَالَةِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْإِعْمَالُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَالِ تَأَمَّلْ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوَائِلَ الْكَفَالَةِ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهَا هُنَاكَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا: كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِحُّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ اهـ فَفِي هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ شَرْطُ تَأْجِيلٍ أَوْ خِيَارٍ وَكِلَاهُمَا شَرْطٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَأْتِي هُنَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَطَ إلَخْ) أَيْ شَرَطَ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَالَ الْمُحَالَ بِهِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِ دَارِ نَفْسِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ، كَمَا إذَا كَانَ قَبُولُهَا بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ الْحَصَادِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ اهـ وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ التَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً يَسِيرَةً، بِخِلَافِ هُبُوبِ الرِّيحِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ مِنْ الْمُحْتَالِ) صَوَابُهُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ وَعْدًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ، إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ، وَأَيْضًا لَا يَظْهَرُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً كَمَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمُهُ بِأَلْفٍ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُودَعِ تَقَيَّدَتْ بِهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ بَرِئَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا، وَهُنَا لَمَّا شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ صَارَتْ مُقَيَّدَةً بِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ فَسَدَتْ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ الْمُحَالُ بِهَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا فِي الْحَوَالَةِ صَحَّتْ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي آخِرِ حَوَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute