وَيُلْحَقُ بِهِمْ كَتَبَةُ الْأَوْقَافِ وَنُظَّارُهَا إذَا تَوَسَّعُوا وَتَعَاطَوْا أَنْوَاعَ اللَّهْوِ وَبِنَاءَ الْأَمَاكِنِ فَلِلْحَاكِمِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ وَعَزْلُهُمْ، فَإِنْ عَرَفَ خِيَانَتَهُمْ فِي وَقْفٍ مُعَيَّنٍ رَدَّ الْمَالَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نَهْرٌ وَبَحْرٌ.
وَفِي التَّلْخِيصِ: لَوْ كَفَلَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ قَرْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَسَيَجِيءُ أَنَّ لِلْمَدْيُونِ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ مَنْعُهُ وَلَكِنْ يُسَافِرُ مَعَهُ فَإِذَا حَلَّ مَنَعَهُ لِيُوفِيَهُ.
وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَخْذَ كَفِيلٍ شَهْرًا لِامْرَأَةٍ طَلَبَتْ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ لِسَفَرِ الزَّوْجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَاسَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بَقِيَّةَ الدُّيُونِ لَكِنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، لَكِنْ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحْبِيَةِ:
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِمْ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ: هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ، وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكَّامَ زَمَانِنَا لَوْ أَفْتَوْا بِهَذَا وَصَادَرُوا مَنْ ذُكِرَ لَا يَرُدُّونَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْقَافِ وَإِنْ عُلِمَتْ أَعْيَانُهَا وَلَا لِبَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَصْرِفُونَهَا فِيمَا لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك اهـ.
قُلْت: وَالْفَاعِلُ لِهَذَا عُمَرُ وَأَيْنَ عُمَرُ ط.
(قَوْلُهُ: وَفِي التَّلْخِيصِ إلَخْ) قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَلَا يَنْعَكِسُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُلِّ الْكُتُبِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ بَلْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْكَفِيلِ فَقَطْ دُونَ الْأَصِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ مَنْعُهُ إلَخْ) وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ قَرُبَ حُلُولُ الْأَجَلِ كَمَا فِي الْأَقْضِيَةِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى يُطَالِبُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَتَمَامُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نُورِ الْعَيْنِ وَفَصَّلَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ إنْ عُرِفَ الْمَدْيُونُ بِالْمَطْلِ وَالتَّسْوِيفِ يَأْخُذُ الْكَفِيلُ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَ إلَخْ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَتْ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فَخُذْ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلًا لَا يُجِيبُهَا الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَخْذَ الْكَفِيلِ رِفْقًا بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَيْهِ اهـ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلًا بِنَفَقَتِهَا عِنْدَ الثَّانِي مَا دَامَ غَائِبًا، وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَخْذَ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ.
وَقَدْ قَالُوا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ: لَوْ كَفَلَ لَهَا بِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ شَهْرٍ اهـ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ نَحْوَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ، لَكِنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ كَفَلَ بِلَا إجْبَارٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَارَاتِ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْقَاضِي إجْبَارَهُ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ، نَعَمْ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ يَأْخُذُ الْكَفِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَاسَ عَلَيْهِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَفْتَى بِقَوْلِ الثَّانِي فِي سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ.
قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ هَذَا تَرْجِيحٌ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ) عِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُؤَدِّي تَرْكُهَا إلَى هَلَاكِهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْغَرِيمِ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
قُلْت: وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيِّ، وَتَعْلِيلُ الرِّفْقِ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الْغَرِيمِ، وَأَيُّ رِفْقٍ فِي أَنْ يُقَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ سَافِرْ مَعَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ إذْ رُبَّمَا يَصْرِفُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، فَلَوْ أَفْتَى بِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَحُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ وَالْمُنْتَقَى وَالْمُحِبِّيَّةِ كَانَ حَسَنًا، وَفِيهِ حِفْظٌ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي مَجْمُوعَةِ السَّائِحَانِيِّ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ