زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَا فِي الْحُقُوقِ انْتَهَى.
وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَوَالَةَ الْغَازِي بِحَقِّهِ مِنْ غَنِيمَةٍ مُحْرَزَةٍ
ــ
[رد المحتار]
الْهِنْدِيَّةِ مَا لَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِهِ الْحَوَالَةُ (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومِ) فَلَوْ احْتَالَ بِمَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: احْتَلْت بِمَا يَذُوبُ لَك عَلَى فُلَانٍ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَالِ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ نَقْلٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ الْمُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ فَكَانَتْ نَقْلًا لِلْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ فَتْحٌ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الدَّيْنِ، وَكَذَا الْغَصْبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ مُلَخَّصٌ، وَدَفْعُ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ الْوَدِيعَةِ وَكَالَةٌ حَقِيقَةً اهـ.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَلَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ دَفْعَهَا لِلْمُحِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَكَالَةَ حَقِيقَةً تُنَافِي ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَنَّ النَّقْلَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَحَالَ الدَّائِنَ عَلَى الْمُودِعِ فَقَدْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدْيُونِ إلَى الْمُودِعِ وَصَارَ الْمُودِعُ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ كَأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَتْ حَوَالَةً بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ. نَعَمْ لَوْ أَحَالَ الْمُودِعُ رَبَّ الْوَدِيعَةِ بِهَا عَلَى آخَرَ كَانَتْ حَوَالَةً بِالْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ.
مَطْلَبٌ فِي حَوَالَةِ الْغَازِي وَحَوَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَوَالَةَ الْغَازِي) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَيْ إحَالَتَهُ غَيْرَهُ عَلَى الْإِمَامِ.
وَعِبَارَةُ النَّهْرِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ الْغَازِي إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَالُ لَا الْعَيْنُ وَلَا الْحُقُوقُ، فَإِذَا اسْتَدَانَ الْغَازِي دَيْنًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى الْإِمَامِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ سَوَاءٌ قَيَّدَهَا بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ الْمُحَالَ بِهِ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا لَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ أَصْلًا، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُسْتَحِقِّ إذَا اسْتَدَانَ ثُمَّ أَحَالَ الدَّائِنَ عَلَى النَّاظِرِ، سَوَاءٌ قَيَّدَ الْحَوَالَةَ بِمَعْلُومِهِ الَّذِي فِي يَدِ النَّاظِرِ أَوْ لَا، فَهِيَ أَيْضًا مِنْ الْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ لَا بِالْحُقُوقِ.
نَعَمْ لَوْ أَحَالَ الْإِمَامُ الْغَازِيَ أَوْ أَحَالَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى آخَرَ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ الْحَوَالَةِ بِالْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا أُحْرِزَتْ بِدَارِنَا يَتَأَكَّدُ فِيهَا حَقُّ الْغَانِمِينَ وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْوَارِثَ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ فَيَقْتَضِي الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يُورَثُ كَحَقِّ حَبْسِ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي بَابِ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّ يُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ظُهُورِ غَلَّةِ الْوَقْفِ فِي وَقْفِ الذُّرِّيَّةِ أَوْ بَعْدَ عَمَلِ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْحَوَالَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَازِي وَالْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَالنَّاظِرِ.
نَعَمْ تَكُونُ وَكَالَةً بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَإِنَّ النَّاظِرَ يُحِيلُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى مُسْتَأْجِرِ عَقَارِ الْوَقْفِ.
وَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ النَّاظِرُ قَبْلَ أَخْذِ الْمُحْتَالِ، فَلِلنَّاظِرِ الثَّانِي أَخْذُهُ، لَكِنْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمَغْنَمِ، أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَعْدَ ظُهُورِهَا يَتَأَكَّدُ فِيهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَتُورَثُ عَنْهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِ النَّاظِرِ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ مِلْكًا لَهُمْ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ، بِخِلَافِ الْمَغْنَمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ حِصَّتَهُ مِنْ أَمَةٍ لَا تَعْتِقُ لِلشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ فَيَصِحُّ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا صَارَتْ الْغَلَّةُ فِي يَدِ النَّاظِرِ صَارَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِلْكًا لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِهَا، وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، وَيَضْمَنُهَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute