للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَصِيٍّ وَشَرِيكٍ.

(وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) لِأَنَّ الْفَتْوَى مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ابْنُ مَلَكٍ زَادَ الْعَيْنِيُّ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي مَتْنِهِ وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقِيلَ نَعَمْ يَصْلُحُ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ وَعَقْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ لَا حُرِّيَّتَهُ وَذُكُورَتَهُ وَنُطْقَهُ فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ لَا قَضَاؤُهُ (وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لَا مِنْ الْقَاضِي) لِلُزُومِ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَحَكَمْتُ وَأَلْزَمْت بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَأَمَّا الْأَطْرَشُ وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ

ــ

[رد المحتار]

عَلَى الْعَدُوِّ وَعَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَوَصِيٍّ) أَيْ فِيمَا أَوْصَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَشَرِيكٍ أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ط.

(قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) أَيْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ لَا يُسْتَفْتَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ لَهُ، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا أَيْ عَدَمَ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي شَرْحِهِ، وَلَكِنْ اشْتِرَاطُ الِاجْتِهَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُجْتَهِدَ أَيْ الَّذِي يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُفْتٍ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَفْقُودٌ الْيَوْمَ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَى الْمُفْتِي الْفَاسِقِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ) حَيْثُ قَالَ إنَّ أَوْلَى مَا يَسْتَنْزِلُ بِهِ فَيْضَ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي تَحْقِيقِ الْوَاقِعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّمَسُّكُ بِحَبْلِ التَّقْوَى قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢] وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى رَأْيِهِ وَذِهْنِهِ فِي اسْتِخْرَاجِ دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَكُنُوزِهِ وَهُوَ فِي الْمَعَاصِي حَقِيقٌ بِإِنْزَالِ الْخِذْلَانِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] اهـ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ) بَلْ هُوَ صَرِيحُهُ كَمَا سَمِعْت.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا فَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ وَنَسَبَ الثَّانِيَ إلَى قَائِلِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: لَا يَجْتَهِدُ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرِضُ عَنْ النَّصِّ الضَّرُورِيِّ قَصْدًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ وَرُبَّمَا عُورِضَ بِالنَّصِّ فَيَدَّعِي فَسَادَ النَّصِّ ط.

(قَوْلُهُ: حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ حَذَرٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ وَحَذَارِ حَذَارِ وَقَدْ يُنَوَّنُ الثَّانِي أَيْ احْذَرْ ط.

(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ) احْتِرَازًا عَمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ،

قُلْت: وَهَذَا شَرْطٌ لَازِمٌ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْيَوْمَ أَنَّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ فَتْوَى الْمُفْتِي اسْتَطَالَ عَلَى خَصْمِهِ وَقَهَرَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَفْتَانِي الْمُفْتِي، بِأَنَّ الْحَقَّ مَعِي وَالْخَصْمُ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا فِي الْفَتْوَى، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مُتَيَقِّظًا يَعْلَمُ حِيَلَ النَّاسِ وَدَسَائِسَهُمْ، فَإِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ يُقَرِّرُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يَقُولُ لَهُ إنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَك، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَ خَصْمِك؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعْجِزُ عَلَى إثْبَاتِهِ بِشَاهِدَيْ زُورٍ، بَلْ الْأَحْسَنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ مَعَ أَحَدِهِمَا كَتَبَ الْفَتْوَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَرْضَى إلَّا بِإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ وَلَهُمْ مَهَارَةٌ فِي الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ، وَقَلْبِ الْكَلَامِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ بِصُورَةِ الْحَقِّ فَإِذَا أَخَذَ الْفَتْوَى قَهَرَ خَصْمَهُ وَوَصَلَ إلَى غَرَضِهِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ضَلَالِهِ وَقَدْ قَالُوا مَنْ جَهِلَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَدْ يُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَتَدُلُّ الْقَرَائِنُ لِلْمُفْتِي الْمُتَيَقِّظِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى غَرَضٍ فَاسِدٍ كَمَا شَهِدْنَاهُ كَثِيرًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَفْلَةَ الْمُفْتِي يَلْزَمُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ.

(قَوْلُهُ: لَا حُرِّيَّتَهُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ وَالْقَاضِي وَلِذَا تَصِحُّ فَتْوَاهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.

(قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>