(أَوْ ارْتَشَى) هُوَ أَوْ أَعْوَانُهُ بِعِلْمِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) وَمِنْهُ مَا لَوْ جَعَلَ لِمُوَلِّيهِ مَبْلَغًا فِي كُلِّ شَهْرٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيُفَوِّضُ إلَيْهِ قَضَاءَ نَاحِيَةٍ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَمَنْ قُلِّدَ بِوَاسِطَةِ الشُّفَعَاءِ كَمَنْ قُلِّدَ احْتِسَابًا وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِزِيَادَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الطَّلَبُ بِالشُّفَعَاءِ (وَلَوْ) كَانَ (عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا) أَوْ بِغَيْرِهِ وَخَصَّهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُعْظَمُ (اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ) وُجُوبًا
ــ
[رد المحتار]
غَيْرُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ارْتَشَى) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ كَمَا تَعْرِفُهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) فِيهِ إيهَامُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَعَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا، كَمَا فِي الْكَنْزِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ وَبِهِ يُفْتَى اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَأَمَّا إذَا ارْتَشَى أَيْ بَعْدَ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ سَوَاءٌ ارْتَشَى ثُمَّ قَضَى أَوْ قَضَى ثُمَّ ارْتَشَى كَمَا فِي الْفَتْحِ. فَحَكَى فِي الْعِمَادِيَّةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ: إنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقٍّ إيجَابُ فِسْقِهِ، وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مَعْنًى وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ خُصُوصِ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ مَمْنُوعٌ، وَبَلْ يُؤَثِّرُ بِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ، وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ وَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ اهـ.
قُلْت حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ مَنْقُوضَةٌ بِمَا اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلضَّرُورَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِلَّا بَطَلَتْ جَمِيعُ الْقَضَايَا الْوَاقِعَةِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو قَضِيَّةٌ عَنْ أَخْذِ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمَحْصُولِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ صَاحِبِ النَّهْرِ فِي تَرْجِيحِ أَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ الْعَدَالَةَ لَانْسَدَّ بَابُ الْقَضَاءِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّحْكِيمِ وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا جَمَالُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ أَنَا مُتَحَيِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ تَنْفِيذُ أَحْكَامِهِمْ لِمَا أَرَى مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْجَهْلِ وَالْجَرَاءَةِ فِيهِمْ، وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ لَا تَنْفِيذَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا كَذَلِكَ فَلَوْ كَذَلِكَ فَلَوْ أَفْتَيْت بِالْبُطْلَانِ أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْأَحْكَامِ جَمِيعًا يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُضَاةِ زَمَانِنَا أَفْسَدُوا عَلَيْنَا دِينَنَا، وَشَرِيعَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْمُ وَالرَّسْمُ اهـ، هَذَا فِي قُضَاةِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَمَا بَالُك فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ زَادُوا عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ بِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمَحْصُولِ بِزَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْذَنُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَوْلَى أَبَا السُّعُودِ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَأَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قِسْمِ أَخْذِ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ وَهَذَا يُسَمَّى الْآنَ مُقَاطَعَةً وَالْتِزَامًا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى رَجُلٍ قَضَاءُ نَاحِيَةٍ فَيَدْفَعُ لَهُ آخَرُ شَيْئًا مَعْلُومًا مَا لِيَقْضِيَ فِيهَا وَيَسْتَقِلَّ بِجَمِيعِ مَا يُحَصِّلُهُ وَمِنْ الْمَحْصُولِ لِنَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي شَأْنِهِمْ نَظْمًا يُصَرِّحُ بِكُفْرِهِمْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ شَفَاعَةٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِ) كَزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا الْمُعْظَمُ) أَيْ مُعْظَمُ مَا يَفْسُقُ بِهِ الْقَاضِي نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا الْبُخَارِيُّونَ وَالسَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَقِيلَ: إذَا وَلَّى عَدْلًا ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ مَشْرُوطَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ مُوَلِّيَهُ اعْتَمَدَهَا فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute