. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَيْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِيهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي اهـ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُفْتِي وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَبِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَامِعِ: أَيْ وَأَمَّا الْإِمَامُ بِمَعْنَى الْوَلِيِّ فَلَا تَحِلُّ الْهَدِيَّةُ فَلَا مُنَافَاةَ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ رَأْسُ الْعُمَّالِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ وِلَايَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَالسَّاعِي وَالْعَاشِرِ اهـ.
قُلْت: وَمِثْلُهُمْ مَشَايِخُ الْقُرَى وَالْحِرَفِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قَهْرٌ وَتَسَلُّطٌ عَلَى مَنْ دُونِهِمْ فَإِنَّهُ يُهْدِي إلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ أَوْ لِيُرَوِّجَ عِنْدَهُمْ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ إلَخْ دُخُولُ الْمُفْتِي إذَا كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِاطِّلَاقِهِمْ جَوَازَ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ إمَامِ الْجَامِعِ وَالْمُدَرِّسِ الْمَنْصُوبَيْنِ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُهْدِي الْمُسَاعَدَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَنَصْرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا مِنْ الْإِمَامِ يَكُونُ كَذَلِكَ فَيُخَالِفُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِهَا لِلْمُفْتِي فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاضِي وَاضِحٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ مُلْزَمٌ وَخَلِيفَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فَأَخْذُهُ الْهَدِيَّةَ يَكُونُ رِشْوَةً عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يُؤَمِّلُهُ الْمُهْدِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ وَالْمُفْتِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُمْ بِجَوَازِهَا لِلْمُفْتِي إذَا كَانَتْ لِعِلْمِهِ لَا لِإِعَانَتِهِ لِلْمُهْدِي بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَإِذَا كَانَتْ لِإِعَانَتِهِ صَدَقَ عَلَيْهَا حَدُّ الرِّشْوَةِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِّهَا شَرْطُ الْإِعَانَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَاهُ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِلَا شَرْطٍ لَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي لِيُعِينَهُ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ غَيْرِهِمْ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَا يُهْدِي إلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَخْ، قُلْت: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَمَا فِي الْأَقْضِيَةِ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ هُوَ الْمَقْبُولُ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ الدَّاوُدِيِّ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ ع ش: وَمِنْ الْعُمَّالِ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ، وَمُبَاشِرُو الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَلْحَقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ، وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ، لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عِلْمُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أُهْدِيَ إلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً انْتَهَى، هَذَا كَلَامُهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ لَا لِيُرَخِّصَ لَهُ بَلْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ بَلْ مُجَرَّدُ هَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute