لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَقَالَا وَزُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ ظَاهِرًا فَقَطْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ ذِكْرِ سَبَبِ الْمِلْكِ فَظَاهِرًا فَقَطْ إجْمَاعًا لِتَزَاحُمِ الْأَسْبَابِ حَتَّى لَوْ ذَكَرَا سَبَبًا مُعَيَّنًا فَعَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ وَإِلَّا لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا كَالْإِرْثِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحَرَّمَةً بِنَحْوِ عِدَّةٍ أَوْ رِدَّةٍ وَكَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا
ــ
[رد المحتار]
لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عَلِيٍّ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ عِنْدَهُ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَتْ فَقَضَى لَهُ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَتْ إنَّهُ يَتَزَوَّجُنِي فَأَمَّا إذَا قَضَيْت عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي فَقَالَ: لَا أُجَدِّدُ نِكَاحَك الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكِ قَالَ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا بِالْقَضَاءِ لِمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَصِيَانَةُ مَائِهِ اهـ مِنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ دَلِيلًا لِمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرًا فَقَطْ) أَيْ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ دُرَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) نَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ لَكِنْ قَالَ: وَفِي الْفَتْحِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْوَجْهُ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ حَقَّقَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ إشْكَالًا، وَأَجَابَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يَتَقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ، دُرَرٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ حَذَفَ الْأَمْلَاكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا شَهِدُوا بِزُورٍ بِدَيْنٍ لَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَفِي حُكْمِ الْمُرْسَلَةِ الْإِرْثُ كَمَا يَأْتِي، وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي النَّسَبِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَنَصَّ الْخَصَّافُ عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، وَالشَّهَادَةُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ كَالشَّهَادَةِ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالْوَقْفِ كَالْعِتْقِ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الْوَقْفَ مِلْكٌ أَوْ بِتَزْوِيرِ شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ فُلَانًا وَأَدْخَلَ فُلَانًا زُورًا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَا عَدَا الْأَمْلَاكَ الْمُرْسَلَةَ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَقْفَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: فَظَاهِرًا فَقَطْ إجْمَاعًا) فَلَا يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ الْوَطْءُ وَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ وَحَلَّ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ سِرًّا وَإِلَّا فَسَّقَهُ النَّاسُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ.
(قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا بِسَبَبٍ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالشُّهُودِ زُورًا فِيهِ بَاطِنًا اتِّفَاقًا بَحْرٌ. قَالَ: وَسَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ مُطْلَقٌ أَوْ بِسَبَبٍ وَالْمَشْهُودُ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَ فِي الْكَنْزِ الثَّانِيَ.
(قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحَرَّمَةً إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا اهـ ح فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ أَوْ بِكَوْنِهَا مُرْتَدَّةً، فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ، وَأَمَّا ظَاهِرًا فَلَا شَكَّ فِي نَفَاذِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفَاذِهِ ظَاهِرًا حِلَّ الْوَطْءِ لَهُ وَحِلَّ تَمْكِينِهَا مِنْهُ بَلْ أَمْرُ الْقَاضِي لَهَا بِهِ، أَمَّا الْحِلُّ فَهُوَ فَرْعُ نَفَاذِهِ بَاطِنًا وَبِمَا قَرَرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَالْإِرْثِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا كَمَا