للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ.

(وَلَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِلَا نَائِبٍ يَنْفُذُ) فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ

ــ

[رد المحتار]

الْعِبَارَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ كَلَامًا نَذْكُرُهُ عَقِبَهُ.

(قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ) أَيْ وَبِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ) أَيْ وَيَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِالطَّلَاقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.

قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ سَبَبًا لِمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَاقَ الْغَائِبِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ أَحَدٍ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ يَظْهَرُ لَك حَقِيقَةُ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُهُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) أَيْ قَضَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَشَافِعِيٍّ لِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، كَذَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَهُ هَلْ يَنْفُذُ بِدُونِ تَنْفِيذٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَرَأَيْت نَحْوَ هَذَا مَنْقُولًا عَنْ إجَابَةِ السَّائِلِ عَنْ بَعْضِ رَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ: هُنَا وَلَوْ قَضَى إلَخْ، حِكَايَةٌ لِلْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ.

قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ قَضَى الْحَنَفِيُّ بِذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ الْمَارُّ فِيمَا لَوْ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَافِعِيٍّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ خَصَّهُ بِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ بِالْحُكْمِ لِلْمَفْقُودِ لَا مُطْلَقِ الْغَائِبِ وَاسْتَدَلَّ بِعِبَارَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ، وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ التَّعْمِيمُ اهـ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ وَبَيَانُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ، وَعَلَيْهِ وَلَمْ يُصَفْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَصْلٌ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْفُرُوعُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَلَا إشْكَالٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْوَقَائِعِ، وَيَحْتَاطَ وَيُلَاحِظَ الْحَرَجَ وَالضَّرُورَاتِ فَيُفْتِيَ بِحَسَبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا، مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْعَدْلِ فَغَابَ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ أَوْ يُعْرَفُ، وَلَكِنْ يَعْجِزُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ عَنْ أَنْ تُسَافِرَ إلَيْهِ هِيَ أَوْ وَكِيلُهَا لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ لَوْ غَابَ وَلَهُ نَقْدٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَفِي مِثْلِ هَذَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ حَقٌّ لَا تَزْوِيرٌ، وَلَا حِيلَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَكَذَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرُورَاتِ وَصِيَانَةً لِلْحُقُوقِ عَنْ الضَّيَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَصَّبَ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَاعِي جَانِبَ الْغَائِبِ وَلَا يُفَرِّطُ فِي حَقِّهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُسَخَّرِ، وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا إذَا رَأَى الْقَاضِي مَصْلَحَةً فِي الْحُكْمِ لَهُ وَعَلَيْهِ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ اهـ.

قُلْت: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا وَلَوْ فِي زَمَانِنَا وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا

لِلْمَصْلَحَةِ وَالضَّرُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>