بِتَحْكِيمِهِ فَتْحٌ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ يُفِيدُ صِحَّةَ التَّحْكِيمِ فِي كُلِّ الْمُجْتَهَدَاتِ كَحُكْمِهِ بِكَوْنِ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعَ وَفَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُجِيبُ بِلَا يَحِلُّ فَتَأَمَّلْ.
(وَصَحَّ إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ بِتَحْكِيمِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرِضَا.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عَقِبَهَا.
(قَوْلُهُ فِي كُلِّ الْمُجْتَهَدَاتِ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالدُّيُونِ وَالْبُيُوعِ بِخِلَافِ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ كَحُكْمِهِ بِكَوْنِ الْكِنَايَاتُ رَوَاجِعَ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنَّ مَشَايِخَنَا امْتَنَعُوا عَنْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَقَالُوا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ يَنْفُذُ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ فِيهَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَادِثَةِ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَى بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسِعَهُ اتِّبَاعُ فَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُ الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا وَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا هُوَ أَوْسَعُ وَهُوَ إنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَكَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَاهُ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الْأُخْرَى وَيُمْسِكُ الْأُولَى عَمَلًا بِفَتْوَاهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَمَا إذَا مَسَّ صِهْوَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَانْتَشَرَ لَهَا فَحَكَّمَ الزَّوْجَانِ حَكَمًا لِيَحْكُمَ لَهُمَا بِالْحِلِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَالْأَصَحُّ هُوَ النَّفَاذُ إنْ كَانَ الْمُحَكَّمُ يَرَاهُ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ قَالُوا: وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ وَيُقَالُ يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْمُوَلَّى دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ اهـ أَيْ تَجَاسُرِهِمْ عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ فَتْحٌ: وَمِثْلُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ عِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ الْمَارَّةُ آنِفًا، وَتَقَدَّمَ فِيهَا أَنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ التَّحْكِيمِ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ مَا هُنَا تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِلصَّحِيحِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْقُنْيَةِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَنَحْوِهَا، وَنَحْوُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْمُخَالَفَاتِ، وَلَكِنْ يُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ عَدَمِ الْإِفْتَاءِ بِهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِأَنْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ لَا يَظْهَرُ فِي خُصُوصِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَنَحْوِهَا.
ثُمَّ رَأَيْتُ الْمَقْدِسِيَّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْأَهْلِ لِئَلَّا يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ مَنَعُوا مِنْ التَّحْكِيمِ هُنَا لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قُلْتُ: هَذَا يُفِيدُ مَنْعَ التَّحْكِيمِ مُطْلَقًا إلَّا لِعَالَمٍ.
وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا حَاكِمٌ مُوَلًّى مِنْ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْحَاكِمِ وَارْتَفَعَ بِحُكْمِهِ الْخِلَافُ، وَأَمَّا إذَا حَكَّمَ رَجُلًا فَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا سِوَى هَدْمِ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا وَلَا يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِمَا كَانَ الْحَالِفُ يَعْتَقِدُهُ فَلِذَا قَالُوا لَا يُفْتَى بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْمَوْلَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] سَيَأْتِي فِي الْمُخَالَفَاتِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ إخْبَارُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَقْرَرْتَ عِنْدِي، أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْكَ لِهَذَا فَعُدِّلُوا عِنْدِي، وَقَدْ أَلْزَمْتُكَ بِذَلِكَ وَحَكَمْتُ لِهَذَا فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ بَاقِيًا، لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ مَا دَامَ تَحْكِيمُهُمَا قَائِمًا كَالْقَاضِي الْمُقَلَّدِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْمُخَاطَبُ عَنْ الْحُكْمِ، وَيَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَكَمْتُ عَلَيْكَ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ