للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ (فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِهِ بِسَبَبٍ) كَشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ (قُبِلَتْ) لِكَوْنِهَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا ادَّعَى فَتَطَابَقَا مَعْنًى كَمَا مَرَّ (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمُطْلَقٍ (لَا) تُقْبَلُ لِكَوْنِهَا بِالْأَكْثَرِ كَمَا مَرَّ.

قُلْتُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى إرْثٍ وَنَتَاجٍ وَشِرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ.

(وَكَذَا تَجِبُ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى) إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً مَبْسُوطَةً فِي الْبَحْرِ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أُخَرَ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ (بِطَرِيقِ الْوَضْعِ) لَا التَّضَمُّنِ، وَاكْتَفَيَا

ــ

[رد المحتار]

إنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُشْعِرٌ بِمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ وَتَبِعَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ التَّوَافُقِ. ثُمَّ إنَّ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَصْلًا لِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ فَافْهَمْ. وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَخْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِهَا وَعَدَمِهِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ إلَخْ) نَبَّهَ عَلَيْهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ أَصْلِيَّةِ سَبَبِ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ أَصْلٌ أَيْضًا كَمَا عَلِمْتَهُ فَتَنَبَّهْ.

(قَوْلُهُ أَوْ إرْثٍ) تَبِعَ فِيهِ الْكَنْزَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، فَلَوْ أَسْقَطَهُ هُنَا لَكَانَ أَوْلَى ح.

(قَوْلُهُ قُبِلَتْ) فِيهِ قَيْدَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ) أَيْ ادَّعَى الْعَيْنَ لَا الدَّيْنَ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ بِالْأَكْثَرِ) وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ فِي غَيْرِ دَعْوَى إرْثٍ) لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ وَنَتَاجٍ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقَلُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنَّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ، وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّتَاجِ بِأَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَذَا كَانَ يَتْبَعُ هَذِهِ النَّاقَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ فِي بَابِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَشِرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى قَرْضٍ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ شِرَاءٌ مَعَ دَعْوَى قَبْضٍ، فَإِذَا ادَّعَاهُمَا فَشَهِدَا عَلَى الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ.

وَحَكَى فِي الْفَتْحِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ خِلَافًا.

(قَوْلُهُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ) لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهَا أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ) قَدَّمَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.

(قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ) أَيْ بِمَعْنَاهُ الْمُطَابِقِ، وَهَذَا جَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرًا لِلْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ، وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ، وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ تَوَافُقَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ وَأَنَّ الْإِمَامَيْنِ اكْتَفَيَا بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَلَوْ بِالتَّضَمُّنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِمَامَ اشْتَرَطَ التَّوَافُقَ فِي اللَّفْظِ وَالتَّوَافُقَ فِي الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ، وَإِلَّا أَشْكَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرِ بِالتَّزْوِيجِ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ فَإِنَّ اللَّفْظَيْنِ فِيهِمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَكِنَّهُمَا تَوَافَقَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، أَفَادَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا. قَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَرْعِ السَّابِقِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>