لِهَذَا الْقَيْدِ.
(وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ) دَعْوَاهُ (تُرِكَ) أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، فَلَوْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلٌّ فِي مَحَلَّةٍ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ وَلَوْ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا بَحْرٌ.
ــ
[رد المحتار]
صِحَّةِ الدَّعْوَى بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ وَهِيَ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ إنْ كَانَ شَيْءٌ يَدَّعِيهِ وَإِلَّا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ فِي كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُطَالِبُهُ فِي دَفْعِ التَّعَرُّضِ فَافْهَمْ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ لِهَذَا الْقَيْدِ) أَيْ قَوْلُهُ أَوْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُ فَصْلٌ قَصَدَ بِهِ الْإِدْخَالَ وَالْفَصْلُ بَعْدَ الْجِنْسِ قَيْدٌ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ فَلَوْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجَبْرَ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى لَا فِيمَنْ يَدَّعِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفْرِيعُ لَا يَظْهَرُ ط، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ فِي مَحَلَّةٍ) أَيْ بِخُصُوصِهَا وَلَيْسَ قَضَاؤُهُ عَامًّا (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَاضِي فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ قُبِلَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ: قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا اهـ وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَحَلَّةِ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، هَذَا كُلُّهُ وَكُلُّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْعِلَّةِ اهـ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا.
وَأَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أَمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَةُ فَيَطْلُبُهَا قِبَلَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ مَحَلَّتِهِمَا، قَالَ: وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا.
أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ أَنَّ قُضَاةَ الْمَمَالِكِ الْمَحْرُوسَةِ مَمْنُوعُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute