نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ لَا أَجْرَ لَهُ أَصْلًا لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُخَصَّصُ عَنْهَا شَيْءٌ بِالْعُرْفِ كَمَا زَعَمَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ (أَوْ) اسْتَأْجَرَ (خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا) كَقَفِيزِ دَقِيقٍ (الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ) فَسَدَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْوَقْتِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا
ــ
[رد المحتار]
أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ زَيْلَعِيٌّ
(قَوْلُهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ) قَيَّدَ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ الْكُلَّ بِنِصْفِهِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ لَا أَجْرَ لَهُ أَصْلًا) أَيْ لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ هَكَذَا قَالُوا. وَفِيهِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ اهـ (قَوْلُهُ أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ) قُلْتُ: وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّ مُرَادَهُمْ: أَيْ بِقَوْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ نَفْيُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ، فَقَوْلُهُمْ مَلَكَ الْأَجْرَ فِي الْحَالِ كَلَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ إلَى الْأَجِيرِ كُلَّ الطَّعَامِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمَلَكَ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُشْتَرَكًا فَيُفْضِي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ، وَكُلُّ مَا أَفْضَى وُجُودُهُ إلَى انْتِفَاءِ لُزُومِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.
وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا مُعَجَّلَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي صَدْرِ تَقْرِيرِهِ، وَهِيَ تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا تُمْلَكُ بِاشْتِرَاطِهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ وَعَمِلَ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْعَمَلِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلَا أَجْرَ فِيهِ أَصْلًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَكَيْفَ يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا فَلَا يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَيْضًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَ الْعَمَلِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا أَجْرَ أَصْلًا.
وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيُمْلَكُ الْأَجْرُ فِيهِ بِالتَّعْجِيلِ مَعَ الْإِفْرَازِ وَهُنَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ، إذْ لَوْ أَفْزَرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْأَجِيرِ ثُمَّ خَلَطَهُ وَحَمَلَ الْكُلَّ مَعًا جَازَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إلَّا أَنْ يُقَالَ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ عِنْد الْعَمَلِ قَبْلَ الْإِفْرَازِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، أَيْ مَآلًا، أَمَّا فِي الْحَالِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ يُخَصُّ الْقِيَاسُ وَالْأَثَرُ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ كَمَا زَعَمَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute