للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ وَإِلَّا فَنَاقِصٌ وَهُوَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ. (وَشَرْطُهُ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) أَوْ نَحْوَهُ (وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (إيقَاعَهُ) أَيْ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ (فِي الْحَالِ) بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ لِيَصِيرَ مُلْجَأً (وَ) الثَّالِثُ: (كَوْنُ الشَّيْءِ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا أَوْ مُوجِبًا غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا) وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْأَشْرَافَ يُغَمُّونَ بِكَلَامٍ خَشِنٍ، وَالْأَرَاذِلَ رُبَّمَا لَا يُغَمُّونَ إلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) الرَّابِعُ: (كَوْنُ الْمُكْرَهِ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ) إمَّا (لِحَقِّهِ) كَبَيْعِ مَالِهِ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا

(فَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ) مُتْلِفٍ لَا بِسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ الْإِكْرَاهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا لَكِنَّ الْمُلْجِئَ، وَهُوَ الْكَامِلُ يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ، وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ فَنَفْيُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ إفْسَادِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَا بِإِزَاءِ الْكَرَاهَةِ، وَالِاخْتِيَارُ بِإِزَاءِ الْجَبْرِ فَفِي الْإِكْرَاهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا وَإِنْ تَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ الصَّحِيحُ إذْ فَسَادُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ، أَوْ الْعُضْوِ

وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِمُلْجِئٍ أَنْ يَنْقُلَ الْفِعْلَ إلَى الْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْحَامِلِ، كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُكْرَهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِثْلُ الْأَقْوَالِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَةِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ فَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيُضَافُ إلَى الْحَامِلِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عُضْوٍ) كَذَا بَعْضُ الْعُضْوِ كَأُنْمُلَةٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ مُوقَعٍ فِي بَرْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَرْحُ الشِّدَّةُ وَالشَّرُّ اهـ. وَعَبَّرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَنَاقِصٌ) كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ، وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ وَفِي زَمَانِهِمَا ظَهَرَ الْفَسَادُ، وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى كُلِّ مُتَغَلِّبٍ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْكُلِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ دُرَرٌ وَاللِّصُّ السَّارِقُ، وَفَسَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِالظَّالِمِ الْمُتَغَلِّبِ غَيْرِ السُّلْطَانِ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ اللِّصِّ تَبَرُّكًا بِعِبَارَةِ مُحَمَّدٍ وَلِذَا سَعَى بِهِ بَعْضُ حُسَّادِهِ إلَى الْخَلِيفَةِ وَقَالَ سِمَاكٌ فِي كِتَابِهِ لِصًّا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ) كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ تَوَعَّدَهُ بِمُتْلِفٍ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إيقَاعُهُ بِهِ صَارَ مُلْجِئًا تَأَمَّلْ. لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرًا أَنَّهُ إنَّمَا يَسَعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِيَصِيرَ مُلْجِئًا) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِمُطْلَقِ الْإِكْرَاهِ لَا لِلْمُلْجِئِ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الدُّرَرِ لِيَصِيرَ مَحْمُولًا عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْلِ مَا يَفُوتُ بِهِ الرِّضَا فَيَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: مُتْلِفًا نَفْسًا) أَيْ حَقِيقِيَّةً أَوْ حُكْمِيَّةً كَتَلَفِ كُلِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ شَقِيقُ الرُّوحِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَقْيِيدُهُ بِكُلِّ الْمَالِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ آخِرًا عَنْ الْقُنْيَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: يُعْدِمُ الرِّضَا) أَيْ مَعَ بَقَاءِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَالْإِكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ يُعْدِمُ الرِّضَا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إمَّا لِحَقِّهِ) أَيْ إمَّا أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَالِصًا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِهِ وَيَأْتِي الْإِكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ بِخِلَافِ الْقِسْمَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: مُتْلِفٍ) فِيهِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْآتِيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>