وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ) وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ مُعْسِرًا، زَاهِدِيٌّ لِإِتْلَافِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
(فَإِنْ قَبَضَ ثَمَنَهُ أَوْ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (طَوْعًا) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (نَفَذَ) يَعْنِي لَزِمَ لِمَا مَرَّ أَنَّ عُقُودَ الْمُكْرَهِ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ لُزُومُهُ لِإِنْفَاذِهِ إذْ اللُّزُومُ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ.
قُلْت: وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَلَهُ إبْطَالُهُ وَمَا يَصِحُّ فَيَضْمَنُ الْحَامِلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ) (قَبَضَ) الثَّمَنَ (مُكْرَهًا لَا) يَلْزَمُ (وَرَدَّهُ) وَلَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ دُرَرٌ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ
ــ
[رد المحتار]
وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ زَيْلَعِيٌّ.
قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: فَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ السَّدَادِ وَكَتَبَ فِي هَامِشِ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ أَنَّ النَّافِذَ يُقَابِلُ الْمَوْقُوفَ فَمَا لَا يَكُونُ نَافِذًا يَكُونُ مَوْقُوفًا فَيَنْطَبِقُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ اهـ وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ) كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَتَصَدُّقُهُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُمْكِنُ نَقْضُهُ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ التَّخْيِيرِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِانْقِلَابِهِ صَحِيحًا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا تَوَقَّفَ انْقِلَابُهُ صَحِيحًا عَلَى رِضَا الْبَائِعِ وَإِجَازَتِهِ فَبِقَبْضِهِ الثَّمَنَ أَوْ تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ طَوْعًا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِدَلَالَتِهَا عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ) قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْهِبَةِ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ وَدَفَعَ يَكُونُ بَاطِلًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِالدَّفْعِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ فَدَخَلَ الدَّفْعُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ هِدَايَةٌ. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِحُضُورِ الْمُكْرِهِ فَقَالَ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ حَاضِرًا وَإِلَّا لَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: بَاطِلًا الْفَاسِدَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَاسِدًا بِالْقَبْضِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ) لِوُجُودِ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) تَعْلِيلٌ لِتَفْسِيرِ النَّفَاذِ بِاللُّزُومِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّفَاذَ وَاللُّزُومَ مُتَغَايِرَانِ فَيُرَادُ بِالنُّفُوذِ الِانْعِقَادُ وَبِاللُّزُومِ الصِّحَّةُ فَبَيْعُ الْمُكْرَهِ نَافِذٌ أَيْ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُنْعَقِدُ مِنْهُ صَحِيحٌ. وَمِنْهُ فَاسِدٌ، وَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الرِّضَا، وَهُوَ هُنَا مَفْقُودٌ فَإِذَا وُجِدَ صَحَّ وَلَزِمَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّافِذَ مُقَابِلٌ لِلْمَوْقُوفِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ كَمَا فِي بُيُوعِ الْبَحْرِ مَا لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرًا يَعْنِي لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ قَبْلَ وُجُودِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُفِيدُ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ قَبْلَ الرِّضَا لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا مِنْهَا عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً خِلَافًا لِزُفَرَ.
فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ: أَنَّ اللُّزُومَ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، فَلَهُ فَسْخُ الْعُقُودِ كُلِّهَا وَأَيًّا أَجَازَهُ جَازَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ الرِّضَا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّفَاذَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الرِّضَا، وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الرِّضَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ لُزُومُهَا وَصِحَّتُهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُفَسِّرَ قَوْلَهُ: نَفَذَ بِ لَزِمَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالرِّضَا شَرْطُ اللُّزُومِ لَا النَّفَاذِ، وَلَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَالتَّقْرِيرِ وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ وَشُرُوحِ الْمَنَارِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، فَلَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ طَوْعًا صَحَّ لِتَمَامِ الرِّضَا، وَالْفَسَادُ كَانَ لِمَعْنًى وَقَدْ زَالَ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَالْمُرَادُ فِي كَلَامِهِمْ بِالنَّفَاذِ اللُّزُومُ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الصِّحَّةُ. وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَهَرَ بِهِ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: نَفَذَ كَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا لَوْمَ لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْقَوْمِ، وَانْدَفَعَ تَشْنِيعُ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَارُّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالْكَلِمَاتِ الْفَظِيعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ.
(قَوْلُهُ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَصِحُّ) أَيْ مَعَ الْهَزْلِ وَهُوَ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ كَالطَّلَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute