(لَهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الَّذِي قَاسَمَ وَبَقِيَتْ لَهُ شَرِكَةٌ فِي حَقِّ الْعَقَارِ (كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ خَاصَّيْنِ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَشِرْبِ نَهْرٍ) صَغِيرٍ (لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) فَلَوْ عَامَّيْنِ لَا شُفْعَةَ بِهِمَا. بَيَانُهُ شِرْبُ نَهْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ قَوْمٍ تُسْقَى أَرَاضِيُهُمْ مِنْهُ بِيعَتْ أَرْضٌ مِنْهَا فَلِكُلِّ أَهْلِ الشِّرْبِ الشُّفْعَةُ، فَلَوْ النَّهْرُ
ــ
[رد المحتار]
بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا، أَوْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَسَقَطَتْ شُفْعَتُهُ بِمُسْقِطٍ غَيْرِ التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ وَلَمْ يُعِدْهُ الشَّارِحُ لِظُهُورِهِ بَعْدَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْخَلِيطِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُتَرْجَمِ
أَيْ وَمَا الْحَدِيثُ عَنْهَا، وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ وَإِضْمَارُ مَا بَعْدَهُ بِأَنْ يَقُولَ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: مَنْ قَالَ ثُمَّ لَهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ أَضْمَرَ فِيمَا حَقُّهُ الْإِظْهَارُ وَأَظْهَرَ فِيمَا يَكْفِي فِيهِ الْإِضْمَارُ
(قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي قَاسَمَ إلَخْ) كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ: قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ شَاهِينُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخَلِيطَ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ أَعَمُّ مِمَّنْ قَاسَمَ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ، فَالْمَتْنُ عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ. وَأَقُولُ: بَلْ هُوَ احْتِرَازِيٌّ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَرِيكًا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ لَا فِي حَقِّهِ، إذْ الشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَلِيطِ فِي حَقِّهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ إلَخْ) الشِّرْبُ بِكَسْرِ الشِّينِ: النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ، وَعَطَفَ الْقُهُسْتَانِيُّ الطَّرِيقَ بِثُمَّ وَقَالَ: فَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ بِلَا شِرْبٍ وَطَرِيقٍ وَقْتَ الْبَيْعِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ حُقُوقِهِ وَلَوْ شَارَكَهُ أَحَدٌ فِي الشِّرْبِ وَآخَرُ فِي الطَّرِيقِ فَصَاحِبُ الشِّرْبِ أَوْلَى. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَنَقَلَ الْبُرْجَنْدِيُّ أَنَّ الطَّرِيقَ أَقْوَى مِنْ الْمَسِيلِ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَصْغَرَ السُّفُنِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الشُّرَكَاءَ عَلَى النَّهْرِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَصَغِيرٌ وَإِلَّا فَكَبِيرٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ مَا لَا يُحْصَى خَمْسُمِائَةٍ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ الْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ إلَى رَأْيِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي زَمَانِهِ اهـ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِيهِ عَنْ النُّتَفِ: فَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ بِشِرْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْخَلِيطِ ثُمَّ لِأَهْلِ الْجَدْوَلِ ثُمَّ لِأَهْلِ السَّاقِيَّةِ ثُمَّ لِأَهْلِ النَّهْرِ الْعَظِيمِ اهـ.
أَقُولُ: أَصْلُ مِيَاهِ دِمَشْقَ مِنْ بَرَدَى، وَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ أَنْهَارٌ كَقَنَوَاتِ بَانْيَاسَ وَتُورَا، وَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا لِشِرْبِ الْبُيُوتِ طَوَالِعُ، وَكُلُّ طَالِعٍ قَدْ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ طَوَالِعُ وَهَكَذَا، وَمُقْتَضَى مَا فِي النُّتَفِ أَنْ يُعْتَبَرَ أَخَصُّ طَالِعٍ ثُمَّ مَا فَوْقَهُ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ وَهُوَ بَرَدَى الَّذِي يَسْقِي دِمَشْقَ وَقُرَاهَا، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بِيعَتْ أَرْضٌ شِرْبُهَا مِنْ أَصْلٍ بَرَدَى وَلَا شَرِكَةَ فِيهَا نَفْسِهَا فَلِجَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ حَقُّ أَخْذِهَا بِالشُّفْعَةِ وَفِيهِ تَوْسِيعٌ لِلدَّائِرَةِ جِدًّا، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْأَصَحُّ الْأَشْبَهُ تَفْوِيضَهُ لِرَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ الْحَاكِمُ ذُو الرَّأْيِ الْمُصِيبِ لِلْعِلْمِ بِانْقِطَاعِ الْمُجْتَهِدِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، نَعَمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ لَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) فَكُلُّ أَهْلِهَا شُفَعَاءُ وَلَوْ مُقَابَلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ النَّفَاذِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَمْنَعُ أَهْلُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَطْرِقَهُ غَيْرُهُمْ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، فَلَوْ فِيهِ مَسْجِدٌ فَنَافِذٌ حُكْمًا إذَا كَانَ مَسْجِدَ خُطَّةٍ لَا مُحْدَثًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا أُخْرَى غَيْرُ نَافِذَةٍ مُسْتَطِيلَةٌ لَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِي دَارٍ مِنْ هَذِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ فِي أَرْضٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأَصْغَرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَطِيلَةِ الْمُسْتَدِيرَةُ وَمَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ وَتَوْجِيهُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ شِرْبُ نَهْرٍ) أَيْ صَغِيرٍ (قَوْلُهُ فَلِكُلِّ أَهْلِ الشِّرْبِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ الْخَاصِّ وَمِثْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute