للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقُسِمَ عُرُوضٌ اتَّحَدَ جِنْسُهَا لَا الْجِنْسَانِ) بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ لِوُقُوعِهِمَا مُعَاوَضَةً لَا تَمْيِيزًا فَتَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي (وَ) لَا (الرَّقِيقُ) وَحْدَهُ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيِّ. وَقَالَا: يُقْسَمُ لَوْ ذُكُورًا فَقَطْ وَإِنَاثًا فَقَطْ كَمَا تُقْسَمُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ (وَ) لَا (الْجَوَاهِرُ) لِفُحْشِ تَفَاوُتِهَا (وَالْحَمَّامُ) وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى وَالْكُتُبُ وَكُلُّ مَا فِي قَسْمِهِ ضَرَرٌ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) لِمَا مَرَّ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تُقْسَمُ الْكُتُبُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَلَكِنْ يَنْتَفِعُ كُلٌّ بِالْمُهَايَأَةِ، وَلَا تُقْسَمُ بِالْأَوْرَاقِ وَلَوْ بِرِضَاهُمْ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ كِتَابًا ذَا مُجَلَّدَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَوْ تَرَاضَيَا أَنْ تُقَوَّمَ الْكُتُبُ وَيَأْخُذَ كُلٌّ بَعْضَهَا بِالْقِيمَةِ لَوْ كَانَ بِالتَّرَاضِي جَازَ وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ.

دَارٌ أَوْ حَانُوتٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا تَشَاجَرَا فِيهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَكْرِي وَلَا أَنْتَفِعُ، وَقَالَ الْآخَرُ أُرِيدُ

ــ

[رد المحتار]

وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ

(قَوْلُهُ وَقُسِمَ عُرُوضٌ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمَيِّزُ الْحُقُوقَ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ كَالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ) أَيْ بِإِدْخَالِ بَعْضٍ فِي بَعْضٍ، بِأَنْ أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا بَعِيرًا وَالْآخَرُ شَاتَيْنِ مَثَلًا جَاعِلًا بَعْضَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ ذَاكَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَتَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ إلَخْ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ لِلْقَاضِي تَثْبُتُ بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ لَا الْمُعَاوَضَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا الرَّقِيقِ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ: الْعَقْلُ وَالْفَطِنَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالِاحْتِمَالُ وَالْوَقَارُ وَالصِّدْقُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْوِفَاقُ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارُوا كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا ... إلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ

بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ تَفَاوُتَهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَحْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ دَوَابٌّ أَوْ عُرُوضٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ قَسَمَ الْقَاضِي الْكُلَّ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا فَإِنْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلَا إلَّا بِرِضَاهُمْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ مَحِلٌّ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ فَيُقْسَمُ الْكُلُّ قِسْمَةَ جَمْعٍ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ بِرِضَا الشُّرَكَاءِ فَأَمَّا مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ تَجْرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجِنْسَ الْآخَرَ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ يُجْعَلُ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ جَبْرًا تَثْبُتُ فِيهِ فَتَثْبُتُ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا تَبَعًا. وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الشَّيْءِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ كَمَا تُقْسَمُ الْإِبِلُ) أَيْ وَنَحْوُهَا كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (قَوْلُهُ وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ) قَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا كَانَ، فَلَوْ كَبِيرًا بِأَنْ كَانَ الْحَمَّامُ ذَا خِزَانَتَيْنِ وَالرَّحَى ذَاتَ حَجَرَيْنِ يُقْسَمُ. وَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِقِسْمَةِ مِعْصَرَةِ زَيْتٍ لِاثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عُودَيْنِ وَمَطْحَنَيْنِ وَبِئْرَيْنِ لِلزَّيْتِ قَابِلَةٌ لِلْقِسْمَةِ بِلَا ضَرَرٍ، مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: لَا يُقْسَمُ الْحَمَّامُ وَالْحَائِطُ وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُسِمَ لَا يَبْقَى لِكُلٍّ مَوْضِعٌ يَعْمَلُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا فِي قَسْمِهِ ضَرَرٌ) فَلَا يُقْسَمُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ إذْ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَطْعِ هِدَايَةٌ، لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ جَزْءٍ عِنَايَةٌ، وَلَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ لَوْ فِيهِ ضَرَرٌ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْسَمُ بِالْأَوْرَاقِ وَلَوْ بِرِضَاهُمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُبَاشِرُ الْقَاضِي قِسْمَتَهَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ، وَتَأَمَّلْ عِبَارَةَ الْمِنَحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>